Saturday, November 18, 2006

قراءات معلوماتيه لهموم مصريه في المستشفيات‏:‏ الفقر المعلوماتي وجوده الرعايه الطبيه نقيضان لا يجتمعان



 

ربما يكون وزير الصحه الحالي بحكم تجربته السابقه في القطاع الخاص هو اكثر من تولي هذا المنصب تفهما للعلاقه بين البنيه المعلوماتيه السليمه داخل موسسات الرعايه الصحيه من جهه وجوده الخدمه الصحيه المقدمه للمرضي من جهه ثانيه‏,‏ وانه اكثر من يعرف ان الفقر المعلوماتي سواء علي مستوي البيانات والمعلومات والاجهزه والمعدات والبرمجيات هو نقيض تام وشبه مطلق لجوده الرعايه الصحيه‏,‏ وان الاثنين لا يمكن ان يجتمعان معا في منشاه صحيه‏,‏ فاما الغني المعلوماتي والرعايه عاليه الجوده او الفقر المعلوماتي والرعايه المهترئه متدنيه الجوده‏,

‏ ومن هنا توقعنا ان الوزير سيتبني منهجا جديدا في اعاده هيكله القطاع الصحي ينطلق من اصلاح البنيه المعلوماتيه داخل القطاع‏,‏ لكنني حينما اتامل اداء الوزاره في ضوء مسارات اعاده الهيكله الثمانيه المطبقه عالميا والتي اشرت اليها الاسبوع الماضي اجد ان هذا المنهج المتوقع من الوزير قد هزم بالقاضيه تحت تاثير الضغوط الناجمه عن الحرائق المرضيه والاداريه التي واجهته منذ توليه منصبه‏,‏ كقضايا الفساد وانفلونزا الطيور والمياه الملوثه وما شابه‏.‏ والان يبدو الامر وكان التفاصيل اليوميه والضغوط الفجائيه قد تمكنت من عقل الوزير واعتقلت قناعاته ورواه التي كونها في عمله السابق ولم تعد تدع له فرصه التفكير استراتيجيا بشكل مغاير وجريء يعي جيدا العلاقه بين المعلوماتيه وجوده الرعايه الصحيه‏,‏ وهو ما يثير مخاوف من ان تكون الامور في وزاره الصحه قد عادت الي نقطه الصفر فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي المستقبلي للرعايه الصحيه في عصر المعلومات وباتت تدور مره اخري حول المبني والمعده والجهاز دون التفات للمعلومه‏,‏ وبسبب هذه المخاوف اتناول اليوم العلاقه بين البيئه المعلوماتيه وجوده الخدمه داخل المنشات الصحيه باعتبارها المسار الاول والجوهري في استراتيجيات اعاده هيكله القطاع الصحي‏.‏

لو نظرنا بمنظور معلوماتي للرحله التي يمر بها المواطن حتي يحصل علي الرعايه المناسبه من اي منشاه صحيه سنجد ان جميع الاجراءات والممارسات الطبيه والعلاجيه والاداريه بالمنشات الصحيه تحتاج بطبيعتها الي معلومات وبيانات متنوعه‏,‏ بعضها ثابت وغالبيتها يتغير مع الوقت وحسب الحاله‏,‏ وكلها توثر في قرارات الطبيب والممرض واخصائيي المعامل والاشعه والتغذيه والحسابات والاداره وغيرها‏,‏ وان هناك حاله من التلازم التام والمستمر والحيوي بين المعلومات من جهه وجميع الاجراءات او الخطوات التي تتخذ بمعرفه اي فرد بالمنشاه من جهه اخري‏.‏

فهذه الرحله عاده ما تنقسم الي اربع مراحل‏,‏ الاولي مرحله استصدار امر الدخول واجراء التشخيصات والفحوص‏,‏ والثانيه مرحله رسم استراتيجيه العلاج ووصف الدواء والثالثه مرحله العلاج الفعلي والرابعه مرحله المتابعه والرصد‏,‏ ولكل مرحله من هذه المراحل معلومات وبيانات تناسبها‏,‏ وادوات واجهزه ومعدات وبرمجيات مطلوبه لضمان ان تكون هذه المعلومات بجوده مناسبه‏,‏ وايضا نمط معين للاستفاده او القيمه المضافه التي يحصل عليها الطاقم الطبي من وراء هذه المعلومات‏,‏ ويمكننا توضح الامر علي النحو التالي‏:‏

في مرحله استصدار امر الدخول واجراء التشخيصات والفحوص يتطلب الامر الحصول من المريض علي معلومات متعلقه بالاسم والسن والعنوان وتاريخ الدخول وحالته المرضيه السابقه وما اذا كان قد تناول ادويه او اجري اشعات وتحاليل ونتائجها او صور منها واي تقارير طبيه حول تطور حالته ومتابعتها‏,‏ وسواء توافرت هذه المعلومات ام لم تتوافر يتم ادخال المريض ويعرض علي الطبيب الذي يبدا بمناظرته ويبدا التشخيص‏.‏

والحاصل حاليا في هذه النقطه بموسسات الرعايه الصحيه في مصر هو البدء من الصفر مع المريض للحصول علي هذه المعلومات التي تستقي وتسجل ورقيا وتكون في الغالب ناقصه وغير كامله التوثيق‏,‏ وهنا نحن بصدد اول نقطه ضعف في مستوي جوده الخدمه‏,‏ لان نقطه البدايه لا تتوافر فيها في الغالب المعلومات التي تضمن جودتها بالمراحل التاليه‏,‏ واولها عمليه التشخيص التي يقوم بها الطبيب وتتم بناء علي معلومات مبتوره وناقصه كثيرا ما تجعل قراراته مشوبه بالعيوب‏.‏

وتفادي نقطه الضعف‏(‏ المعلوماتيه‏)‏ بهذه المرحله لا يمكن ان يتم دون مساعده صريحه وفعاله من تكنولوجيا المعلومات‏,‏ والخبرات العالميه في التعامل مع هذه النقطه تقول ان الطبيب في هذه المرحله يحصل علي مساعده في استيفاء البيانات الاساسيه والتاريخيه عن المريض من نظم السجلات الصحيه الالكترونيه الخاصه بالمرضي سواء علي المستوي القومي او مستوي المنشاه الصحيه او حتي مستوي المريض نفسه‏,‏

كما يحصل علي مساعده اخري في عمليه التشخيص من نظم المعلومات الصحيه المتخصصه التي يفترض ان تكون موجوده بالمستشفي وتساعده في اقتراح التشخيص المناسب والسليم‏,‏ ومساعده من نظم معلومات دعم القرار الصحي المستند الي القاعده المعرفيه بالمنشاه الصحيه ونظم المعلومات التي تربط ما بين الطبيب والاقسام المعاونه بالمستشفي كقسم التحاليل والاشعه والصيدليه وغيرها‏.‏

وفي المرحله الثانيه المتعلقه برسم استراتيجيه العلاج ووصف الدواء يحتاج الطبيب الي نوعيه اخري من المعلومات والبيانات منها ما يتعلق بالدواء الذي يقرره للمريض وتداخلاته مع الادويه الاخري ومع الغذاء ونوعيه ودرجه حساسيه المريض للدواء الموصوف والعلاقه بين الدواء وبعض الاجراءات والممارسات الطبيه المترتبه عليه وتاثيرها علي المريض‏,‏ ومنها ايضا ما يتعلق بقرارات اخري كاجراء جراحه مثلا ومدي توافر غرف العمليات والمستلزمات الجراحيه وغيرها‏.‏

وتعتبر جوده المعلومات المطلوبه في هذه المرحله ذات حساسيه فائقه‏,‏ حتي ان البعض يعتبر تدني جودتها هو البوابه الاولي لظهور الاخطاء الطبيه‏,‏ ولا سبيل لتلافي هذا التدني سوي بالتوظيف الجيد لتكنولوجيا المعلومات وادواتها‏,‏ وهو امر تحقق عمليا من خلال نظم المعلومات الصحيه المستخدمه بمئات من مستشفيات العالم شرقا وغربا والمزوده بوظفيه‏(‏ التنبيهات اللحظيه‏)‏ للطبيب اثناء قيامه بالتشخيص‏,‏ والتي تظهر حينما يصف الطبيب دواء يتعارض مع حاله المريض سواء الوارده بالسجل الصحي للمريض او التي ادخلها الطبيب وهو يشخص المرض‏,‏ وحينما يصف دواء يتعارض مع دواء اخر يتناوله المريض‏,‏ او يتعارض مع غذاء معين‏,‏ كما تظهر عند اختيار دواء يترتب عليه اجراء طبي معين في وقت معين‏,‏ كما هو الحال مع بعض ادويه السكر التي تفرض القيام بتحاليل معمليه معينه‏.‏

اما مرحله العلاج الفعلي فيتم فيها الاقرار بعدم وجود تداخلات تستدعي تنبيه الطبيب المعالج‏,‏ كما يتم فيها تدوير بيانات المريض بصوره متجدده ودائمه ما بين طواقم التمريض والطبيب المعالج ووحدات الاشعه والصيدليه وغرف الجراحه والعلاج الطبيعي ومعمل التحاليل والتغذيه وبنك الدم وقسم المحاسبه والاقسام الاداريه ووحدات تخزين البيانات الاكلينيكيه والسجل الطبي للمريض غيرها‏,‏ ولا يتوقف تدوير هذه المعلومات الا بصدور قرار بخروج المريض من المستشفي ثم تجهيزها لتصبح في حاله صالحه للاستخدام في استخلاص التقارير النهائيه والارشيفيه لحاله المريض‏.‏

وبالطبع فان الخطا في اي معلومه خاصه بالمريض سواء عند توليدها او تداولها او نقلها او معالجتها ما بين طرف واخر يكون له اثاره الوخيمه علي عمليه العلاج برمتها ومن ثم علي مستوي الرعايه الصحيه التي يحصل عليها المريض‏,‏ ولست في حاجه الي القول ان الوسائل والانماط المستخدمه في تداول المعلومات والاتصالات بالمنشاه الصحيه تلعب الدور الرئيسي في اتمام هذه المرحله بجوده عاليه‏,‏ فقد تتوافر طواقم طبيه مدربه ومخلصه لكن افتقارها الي نظام كفء لتداول بيانات ومعلومات المرضي يقوض قدرتها علي تقديم رعايه طبيه ذات جوده‏.‏

تعني هذه النقطه ان هناك احتياجا معلوماتيا لا سبيل للوفاء به سوي الاعتماد علي الادوات الحديثه لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحديدا شبكات المعلومات والاتصالات وبنيتها الداخليه‏,‏ وفي المنشات الصحيه التي اعيد هيكلتها لتعمل بمفهوم الاداره القائمه علي المعلومات هناك عاده شبكه معلومات موحده تربط الحسابات والاداره وبنك الدم والصيدليه ومعمل التحاليل ووحده الاشعه وغرف المرضي والاطباء والممرضين وغيرها‏.‏

اما المرحله الرابعه المتعلقه بالمراقبه فهي مسئوليه السلطات الصحيه واداره المستشفي‏,‏ لكونها تتعلق بتتبع كل تفاصيل المراحل السابقه بموضوعيه ودقه بغرض اكتشاف اي انحراف او فوارق بين الممارسات والاجراءات الفعليه الجاريه بالمنشاه وبين ما تنص عليه معايير الجوده التي اقرتها الجهات المعنيه عالميا‏,‏ ثم قياس هذا الفروقات للوقوف علي مستوي الجوده الحقيقيه التي تتمتع بها الخدمات المقدمه بالمنشاه‏,‏ وفي هذه المرحله تستخدم كل المعلومات التي جري توليدها وتداولها خلال المراحل السابقه‏,‏ وبالطبع فانه في حاله البيانات الورقيه المهلهله والمشتته في دفاتر واقسام المستشفي المختلفه سيصعب تقدير مستوي الجوده وتحديد المسئوليه عن انخفاضها بالمستشفي ويطول الوقت اللازم لذلك‏,‏ اما في حاله وجود بنيه معلوماتيه جيده فسيكون من السهل المقارنه بين الممارسات الفعليه والممارسات المعياريه وبناء موشرات قياس الاداء الرئيسيه بصوره لحظيه‏,‏ واقتراح وتنفيذ الاجراءات التصحيحيه في الوقت المناسب‏.‏

في ضوء ما سبق يمكن القول ان جوده الرعايه الصحيه تقوم علي عده اركان تتضمن بنيه اساسيه معلوماتيه وتطبيقات وبرمجيات وعمل جماعي حقيقي وادوات وطرق للقياس والمحاسبه والتحسين المستمر‏,‏ وان اي اجراء يتم بالمنشاه مرهون كليه بمستوي جوده وتوافر المعلومات الخاصه بهذا الاجراء‏,‏ وبالتالي فانه حينما تتدني جوده الرعايه الصحيه لا يصح علي الاطلاق محاوله اصلاحها بمعزل عن اصلاح بيئه تداول وتدوير وتوظيف المعلومات بالمنشاه الصحيه او القطاع الصحي ككل كما هو الحال مع الاسلوب الحالي الذي يجعلنا جميعا نرزخ تحت نير الرعايه الصحيه المهترئه غير القابله للتقنين والقياس والمشوبه بالاخطاء الطبيه‏.‏


جمال محمد غيطاس
ghietas@ahram0505.net

No comments: