في خضم الحديث عن تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات كخيار رئيسي لاستراتيجية النهوض بصادرات صناعة تكنولوجيا المعلومات المحلية, لفت نظري بيان صحفي صدر الأسبوع الماضي عن مكتب آي بي إم مصر يتحدث عن تغيير في فلسفة الشركة وتوجهاتها في التعامل مع عملائها حول العالم, حيث ركز البيان أكثر من مرة علي مصطلح المنتجات الخدمية الذي يعني أن آي بي إم قررت أن تعامل خدمات تكنولوجيا المعلومات معاملة منتجات تكنولوجيا المعلومات أي تطبق علي الخدمة المعايير التي تطبق علي المنتج, وتقديري أن هناك علاقة مهمة بين حديث الوزارة وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات عن تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات من جانب وبين بيان آي بي إم من جانب آخر, فالطرفان يسعيان لتقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات لأطراف أخري بالسوق الدولية, ولذلك فإنه حينما تكشف آي بي إم ـ كلاعب عالمي رئيسي ومخضرم للغاية في هذا المجال ـ النقاب عن تغيير في الفكر ولغة الخطاب والمفاهيم الخاصة بتقديم هذه الخدمات, فلابد أن يهتم بذلك اللاعبون الجدد أو من يسعون لأن يكونوا لاعبين جدد في سوق صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات الدولية كما هو الحال في مصر, وهذا ما يدفعنا للوقوف قليلا
أمام هذه اللغة الجديدة في تسويق خدمات تكنولوجيا المعلومات.
حينما بحثت عن أبعاد هذه الفكرة ومقوماتها المختلفة بالعديد من المواقع المهتمة بها علي الإنترنت وداخل موقع آي بي إم خلصت إلي أننا بصدد تحول بارز في مسار خدمات تكنولوجيا المعلومات.. كيف؟
يمكننا الحصول علي الإجابة من خلال التعرف علي الاختلافات القائمة بين الخدمة والمنتج والتي يلخصها الخبراء في النقاط التالية:
ـ المادية مقابل اللامحسوسية: فالمنتج بطبيعته حاسب ـ طابعة... ألخ هو كيان مادي ملموس يمكن امتلاكه ورؤيته, أما الخدمات فهي أشياء غير محسوسة أو ملموسة, كما أن جودة الخدمة عادة ما تتحدد وفقا للمستهلك وليس لمقدم الخدمة, عكس المنتج الذي يمكن قياس جودته بوسائل قد لاتعتمد علي العميل أو المشتري, ولذلك فإن مسوقي الخدمات لابد أن يكون لديهم طرق مختلفة لكي يتواصلوا بفعالية مع الخدمة ومع الناتج النهائي الذي يتلقاه المستهلك أو العميل.
الانفصال مقابل التلازم: هناك فصل واضح جدا بين مرحلة إنتاج المنتج ومرحلة استخدامه واستهلاكه, لأن المنتج لا يصل للمستخدم أو المستهلك إلا بعد انتهاء انتاجه تماما, أما الخدمة فلا يمكن فصل إنتاجها عن استهلاكها أو تقديمه لأنهما متلازمان, فمثلا انتاج واستهلاك خدمات مراكز الاتصال يحدثان معا بشكل متزامن ومتلازم, وهذا يعني مراحل إنتاج الخدمة تكون طوال الوقت تحت بصر العميل, وهذا يعني أن العبء الأكبر في نجاح الخدمة يرتبط بالمعرفة والاتجاه والمظهر وغيره من الأشياء المتعلقة بالشخص أو الموظف الذي يقدمها, وهو أمر يفرض أن يكون لدي مقدم الخدمة عناية فائقة بإدارة عملية الإنتاج.
التخزين مقابل التلاشي: المنتج قابل للتخزين ويسمح بالحصول علي نفس الأداء من نفس النسخ المخزنة أو المكررة, بينما الخدمات غير قابلة للتخزين وغير قابلة للاسترجاع بنفس الأداء والمواصفات, وحينما يكون الطلب علي الخدمة مضطربا متقلبا يكون من الصعب الحفاظ علي نفس التكرارية بنفس مستوي الأداء, فمثلا في ساعات وأوقات الذروة والضغط الشديد قد لا تقدم الخدمة بنفس الكفاءة والسرعة.
الثبات مقابل التغيير: المنتج ثابت الجودة مهما ارتفع عدد الوحدات المباعة وزاد الإقبال عليه لثبات المواصفات التي ينتج بها لأنه يقدم من خلال خطوط إنتاج, بينما الخدمات تقدم من خلال الناس وتعتمد كثيرا علي السلوك البشري وبالتالي فهي عرضة للتغير في المواصفات والتقلب في مستوي الجودة, وقد تتغير جودة الخدمة من وقت لآخر من اليوم لأن الناس تصاب بالإجهاد والتعب, كما تتأثر بالخبرة والاتجاهات والمعرفة ونمط الشخص.
المعرفة السابقة والمعرفة اللاحقة: في حالة المنتج يمكن للعميل أو المستهلك الحصول علي معرفة سابقة قبل الشراء إذ بإمكانه تحسس المنتج واختباره أو تذوقه, عكس الخدمات التي لا يعرف المتلقي مطلقا مدي جودتها إلا لاحقا أي بعد الحصول عليها فعليا.
انطلاقا من هذه الاختلافات يمكننا تصور حجم التغيير المنهجي الكبير الذي تحمله فكرة تطبيق معايير المنتج علي الخدمة, فخطابا بهذه الصورة ينبئ بأننا أمام جيل جديد من خدمات تكنولوجيا المعلومات يتمتع بمستوي راق من النضج والاستقرار في كفاءة تصميم الخدمة وتقديمها والحفاظ علي مستواها ومواصفاتها وثبات خصائصها, وأن هذا الجيل يعد بالتغلب علي أو تنحية الصفات التقليدية الراسخة لخدمات تكنولوجيا المعلومات كأشياء لا محسوسة غير قابلة للتخزين ومتغيرة الخواص والمواصفات ويتحتم معرفتها بعد استخدامها ويتلازم إنتاجها مع استهلاكها, وأن لديه خدمات موثوق في جودتها واستقرارها إلي درجة القبول بأن تقاس وتعامل بمعايير الأشياء المادية المحسوسة القابلة للتخزين الثابتة الخواص والمواصفات.
ينتهي بنا ذلك إلي القول أنه علي مستوي الفكرة والمنهج نحن أمام تطور نوعي في التعامل مع خدمات تكنولوجيا المعلومات بالسوق المصرية خلال الفترة المقبلة يتجاوز ما هو سائد حاليا من مستويات مقبولة للجودة والاستقرار وما يحتاجه ذلك من بنية أساسية وكوادر بشرية وغيرها.
نأتي الآن إلي العلاقة بين الإعلان عن هذا التغيير من قبل آي بي إم وبين استراتيجية النهوض بصادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات المصرية, وفي هذا الصدد لو نظرنا إلي آي بي إم أن الخدمات التي ستعاملها معاملة المنتجات خلال المرحلة المقبلة وتطلق عليها المنتجات الخدمية تنقسم إلي عشرة مسارات هي:
ـ المنتجات الخدمية الخاصة باستراتيجيات وبنية تكنولوجيا المعلومات.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات بالبرمجيات الوسيطة.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات المستخدم النهائي.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات الاتصالات المتكاملة.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة باستمرار العمل ومرونته.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بالمواقع والمنشآت.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات الأمن والخصوصية.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات الأجهزة الخادمة.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات التخزين والبيانات.
ـ المنتجات الخدمية الخاصة بخدمات دعم البنية الأساسية.
وفي المقابل إذا نظرنا إلي الخيارات التي أخذت بها الاستراتيجية القومية لتنمية صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والمستندة إلي دراسة مؤسسة أية تي كيرني سنجد هناك تسعة مسارات لخدمات تكنولوجيا المعلومات متاحة أمام صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المصرية ولكنها تختلف من حيث الأفضلية, حيث يوجد مساران تري الاستراتيجية أنهما يحتلان المرتبة الأولي من حيث الأفضلية أمام الصناعة المصرية وهما مسار خدمات تكنولوجيا المعلومات كصيانة البرمجيات والدعم الفني وإدارة تكنولوجيا المعلومات وإدارة الأجهزة والمعدات ودعمها فنيا والتطوير والأعمال المتكاملة ومسار مراكز الدعم الفني والهندسة, ومساران يحتلان المرتبة الثانية من حيث الأفضلية وهما مراكز الاتصال وتطوير وإدارة المحتوي العربي, ومسار يحتل المرتبة الثالثة وهو هندسة البحوث والتطوير وأربعة مسارات يحتل المرتبة الرابعة وهي عمليات المعرفة وعمليات الأعمال والتعريب وخدمات اللغة وعمليات التوطين المحلي لتكنولوجيا المعلومات ومنتجات تكنولوجيا المعلومات.
وعند مقارنة مسارات الاستراتيجية المصرية مع مسارات آي بي إم نجد أن مسارات آي بي إم العشرة متضمنة تقريبا في الخيارات التي تري الاستراتيجية أنها من حيث الأفضلية تحتل المرتبة الأولي أمام مصر, أما الخيارات التي تحتل المراتب التالية فهي تغطي مسارات ربما لا تتضمنها مسارات آي بي إم, وهذا ليس معناه ضيق في الأفق لدي آي بي إم لأنه من الطبيعي ان يكون هناك فارق واضح بين خيارات الدولة وخيارات الشركة.
والتقارب الشديد بين الخيارات ذات الأولوية بالنسبة للدولة والشركة يكشف إلي أي مدي هناك حاجة للبحث فيما وراء البيان الصادر عن الشركة باعتباره ضوء كاشفا يتعين أن تراه وترصده الاستراتيجية المعدة من قبل الدولة.
بعبارة أخري... حينما تأتي آي بي إم وتتحدث عن تقديم كل هذه الخدمات بمعايير المنتجات فهذا مؤشر علي وجود لغة جديدة في خطاب تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات بالسوق الدولية, وإذا كانت هذه اللغة مطروحة الآن باعتبارها عنوانا لآي بي إم وهي تتحرك بالأسواق, فالمؤكد أنها لن تكون بعد ثلاث أو أربع سنوات من الآن عنوانا لآي بي إم فقط بل ستصبح وضع افتراضي بالسوق الدولية برمتها, وهذا أمر يتعين أخذه في الاعتبار بجميع انشطة الاستراتيجية التي تتحدث عن عام2010 ـ ثلاث سنوات من الآن ـ باعتباره نهاية خطة يفترض أن تصل بصادرات مصر من تكنولوجيا المعلومات إلي مليار دولار.
خلاصة القول أن منهج معاملة الخدمات كمنتجات يتعين أن يكون حاضرا ونحن نرسم الصورة الذهنية لمصر وشركاتها ومؤسساتها العاملة في هذا المجال, وحاضرا ونحن نخاطب العملاء المحتملين خطابا مباشرا وحينما نتصدي للمنافسين بالأسواق وحاضرا ونحن نبني كوادرنا المحلية في مختلف المستويات بدءا من المكودين والمبرمجين والقائمين بالاتصالات داخل مراكز الاتصال وانتهاء بمديري البرامج والمشروعات والمحللين ومخططي المشروعات والمسوقين والبائعين والإدارة العليا والمخططين علي المستوي الوطني, أما إن مر علينا هذا التطور مرور الكرام فالأغلب أن الاستراتيجية والقائمين عليها سيصبحوا عرضة بعد فترة لأن يغردوا خارج السرب بالسوق الدولية ويتحدثون خطابا قديما لا يتناسب مع مقتضيات ومتطلبات السوق, وساعتها ربما نفتش عن المليار فلا نجده
ghietas@ahram0505.net
No comments:
Post a Comment