كتبت الثلاثاء الماضي مجموعه ملاحظات حول الاجتماع الذي عقدته هيئه تنميه صناعه المعلومات بمناسبه مرور عام علي صدور الاستراتيجيه القوميه لتنميه صادرات تكنولوجيا المعلومات, وقلت ان العام الاول للاستراتيجيه انقضي دون ان ينجح في الوصول لاجابات واضحه وحاسمه علي مجموعه النقاط الاساسيه المتعلقه بالتصدير والتي تشمل: ما الذي سنصدره ولمن سنصدر واين وما قيمه المستهدف من التصدير وكم سيتكلف انتاج ما سيتم تصديره؟ واشرت الي ان هذا القصور يعد من الاسباب التي تجعل صادرات تكنولوجيا المعلومات مرشحه لان تراوح مكانها لفتره غير قليله مقبله قبل ان تحقق نقله نوعيه للامام,
وصباح الخميس اي بعد يوم فقط نشرت عده صحف تصريحات لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حول الاستراتيجيه راي فيها انه من الصعوبه بمكان حصر هذه الصادرات وان الوسيله الوحيده لحصرها هي عدد العاملين بالشركات, وتصوري ان اللجوء الي حجم العماله كمعيار لقياس حجم صادرات تكنولوجيا المعلومات امر يحتاج مناقشه.
بدايه لابد من التعرف علي ما قاله الوزير في هذا الصدد, فطبقا لما نشرته صحف الخميس فان الوزير قال من الصعب حصر الصادرات المصريه فهي ليست منتجات تقليديه تمر عبر الجمارك ويمكن حسابها بدقه, لكنها خدمات وبرمجيات تقدم عن طريق الانترنت, والوسيله الوحيده التي نعتمد عليها في حصر صادراتنا هي عدد العاملين في الشركات, فهناك شركات كثيره نكتشفها كل يوم وتعمل في انتاج البرمجيات, وقد حصرنا العماله فوجدناها تقترب من سبعه الاف شخص, فاذا كان كل فرد يحقق عائدا في المتوسط كل عام قيمته50 الف دولار فاننا بصدد350 مليون دولار هي حجم صادراتنا من البرمجيات وخدمات الاتصالات, وقضيه الصادرات ستظل شائكه وسيظل معيار القياس الوحيد امامنا هو عدد العماله المنتظمه التي تقترب الان من7 الي8 الاف شخص.
واول ما يمكن ملاحظته علي هذا الراي انه يختلف بطريقه واضحه عما يجري في العالم, فالحاصل عمليا ان ما يتم تصديره عبر الانترنت من منتجات وخدمات ليس مستحيلا اقتفاوه وتتبعه وقياسه, ولو كان امرا صعبا او مستحيلا لكان العالم اجمع قد اعتبر عمليات التجاره الالكترونيه والمعاملات الالكترونيه والاعمال الالكترونيه عبر الانترنت في مجال البرمجيات او المحتوي والتصميمات او اي مجال اخر انشطه غير قابله للقياس, ومن ثم لا تصدر مئات التقارير الدوليه والدراسات التي لا حصر لها حول الاقتصاد الدولي القائم علي المعلومات والاقتصاد القائم علي المعرفه والتجاره غير المحسوسه, وهي تقارير ودراسات تحلل وتقدر حجم هذا النوع من النشاط وفق اسس علميه معلنه يزداد تمسك العالم بها وتترسخ ثقته بها يوما بعد يوم علي الرغم من اختلاف نظم الجمارك من دوله لاخري وتنوع مستويات النضج التكنولوجي ربما من مدينه لاخري او شركه واخري.
لذلك لم نجد دولا مثل اسرائيل والهند والبرازيل ودول اوروبا الشرقيه وايرلندا وغيرها من الدول المنافسه لمصر تعلن عن انها لا تجد وسيله لتقدير حجم صادراتها من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سوي حجم العماله, ولو طبقت دوله مثل ايرلندا هذا المعيار لانخفضت قيمه صادراتها بصوره دراماتيكيه مريعه امام الهند, لان صناعتها كما هو معروف قائمه علي تصدير منتجات عاليه القيمه للغايه يتم انتاجها بعماله خفيفه العدد, ولارتفعت في المقابل صادرات الهند بصوره مخيفه مجافيه للواقع امام صادرات ايرلندا لكونها تقدم خدمات ومنتجات تقل في القيمه وتعتمد علي عماله اعلي في الكثافه مقارنه بايرلندا, لكن الحاصل ان صادرات البلدين تتقاربان بشده من حيث الحجم وتتفاوتان بشده اكبر من حيث العماله.
واذا كانت تجارب العالم توكد ان ما يتم تصديره عبر الانترنت قابل للتتبع والقياس, واذا كانت تجارب الدول المنافسه لنا علي اسواق التصدير تقول ان الطبيعه الخاصه لمنتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا تجبرها علي استخدام حجم العماله كمعيار وحيد لقياس حجم الصادرات.. فلماذا يختلف الوضع لدي الوزاره المعنيه بمصر فلا تجد امامها سوي حجم العماله معيارا للقياس؟
السبب الاساسي والجوهري وراء ذلك هو غياب نظام وطني احصائي متكامل الاركان والادوات يقوم دوريا بمتابعه وجمع وتصنيف وتحليل وتجهيز البيانات والمعلومات المتعلقه بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, ثم يقيس تفاعلاته مع غيره من القطاعات داخل المجتمع والاقتصاد الوطني بقطاعاته المختلفه, وتفاعلاته مع السوق الاقليميه والدوليه.
وللانصاف فان هذه معضله لا تعاني منها مصر وحدها ولكنها مشكله شائعه في العديد من دول العالم المتقدم والنامي علي السواء وان كانت حدتها وسطوتها وجهود التغلب عليها تتفاوت بشده من دوله لاخري, وقد عبرت عنها القمه العالميه لمجتمع المعلومات في مرحلتها الاولي بجنيف بظاهره الفجوه الاحصائيه وخصصت لها موتمرا فرعيا مستقلا نظمه موتمر الامم المتحده للتجاره والتنميه الاونكتاد ومعهد اليونسكو للاحصاء والاتحاد الدولي للاتصالات والمكتب الاحصائي للاتحاد الاوروبي وكان من بين الفعاليات الرئيسيه للقمه, وقد عرف الموتمر الفجوه الاحصائيه بانها النقص او الفجوه الكبيره في البيانات والمعلومات الاحصائيه الخاصه باوضاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السابقه والحاليه داخل كل مجتمع,
والتي يتعين توافرها لدي صانعي القرار لوضع خطط سليمه تقوده صوب مجمتع المعلومات, وكذلك النقص الكبير في البيانات الاحصائيه التي يمكن استخدامها في رصد التاثير الفعلي لهذه التكنولوجيات والخطط علي المجتمع, والنقص في المقاييس والموشرات الاحصائيه القادره علي توظيف هذه البيانات لقياس مدي تقدم المجمتعات في توظيف هذه التكنولوجيات والاقتراب من مجتمع المعلومات.
وفي حدود علمي لم يقل احد خلال هذا الموتمر ان الطبيعه الخاصه لمنتجات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات او التجاره عبر الانترنت تمثل عائقا امام عمليات الاحصاء وتقدير حجم الصادرات, بل شاركت عشرات من دول العالم بعرض تجاربها في تجاوز فجوتها الاحصائيه من خلال بناء نظم وطنيه متكامله للقياس والمتابعه والاحصاء, واذكر انني كتبت سلسله مقالات في هذا المكان في يناير2004 عقب انتهاء اعمال القمه عرضت فيها التجربه التايلانديه والماليزيه في بناء النظم الوطنيه للمتابعه والقياس, وخصصت مقالا مستقلا دعوت فيه الي ضروره بناء نظام وطني مصري للاحصاءات وموشرات قياس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
والان استطيع القول ان غياب هذا النظام قد عمق الفجوه الاحصائيه ومن ثم استشرت حاله فقر المعلومات في قطاع تكنولوجيا المعلومات منذ عقد القمه, ولا تزال السنوات تمر والفجوه الاحصائيه تزداد عمقا وتلقي بظلالها السلبيه علي مسيره التنميه المعلوماتيه بالبلاد, ولعلنا نذكر الجدل الذي اثير منذ اسابيع حول اسباب تراجع مرتبه مصر اربع عشره درجه في تقرير منتدي دافوس لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام2007 فضلا عن اوضاعها في تقارير اخري كالاتحاد الدولي للاتصالات والتنميه البشريه والتنافسيه وغيرها, وكيف ان الوزاره ارجعت الاسباب الي نقص وتدني جوده وحداثه البيانات التي تصل من مصر الي الجهات الدوليه المصدره للتقارير.
معني ذلك ان الفجوه الاحصائيه كانت خلال الاعوام الماضيه سببا في الضرر الذي لحق بصوره مصر الذهنيه عالميا عبر هذه التقارير, ثم ها هي تجيء مجددا لتغل يد الوزاره والاجهزه المعنيه عن حتي مجرد عن بناء رقم يحدد حجم الصادرات الحاليه او السابقه وتدفع الوزاره دفعا للاخذ بمعيار للقياس لا نراه متناسبا مع ما هو سائد دوليا ومطلوب عمليا عاجلا واجلا, فهذا المعيار قد يصلح الي حد ما مع بعض وليس كل الخدمات التي تقدمها مراكز الاتصالات والدعم الفني وغيرها من انشطه صناعه التعهيد, ولا يصلح لتقييم حجم الصادرات المستنده الي تصدير البرمجيات والمنتجات,
وبالتالي ستعاني استراتيجيه التصدير من فجوه احصائيه معلوماتيه ناجمه عن ان القسم الاكبر من انشطه قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات سيكون عمليا خارج دائره الرصد والتقييم بهذا المعيار, ومن ثم ستكون اجراءات قياس ومتابعه اداء استراتيجيه التصدير ككل غير دقيقه وغير معبره عما يجري علي ارض الواقع, لانه لا يمكن منطقيا الاطمئنان الي هذه الاجراءات بينما القائمون علي الاستراتيجيه ليس لديهم ارقام دقيقه عن حجم ما يتم انتاجه وتصديره لكونهم يستندون في القياس الي معيار غير قادره بطبيعته علي استيعاب كل ما يجري, ومن هنا فان صدور هذا الراي يجعلني اشير مجددا الي ما ذكرته الاسبوع الماضي من ان قضيه صادرات البرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مرشحه لان تراوح مكانها لفتره غير قليله مقبله قبل ان تحقق نقله نوعيه للامام.
في النهايه اقول: اذا كنا نريد تقديرا حقيقيا وصائبا لحجم صادراتنا من البرمجيات فعلي الوزاره ان تطرق الطريق الاصح والابعد مدي حتي وان كان صعبا, وهو العمل الجاد من اجل بناء نظام وطني متكامل للرصد والقياس والمتابعه وجمع وتصنيف وتحليل المعلومات, نظام لا يخدم قضيه التصدير وحسب ولكن يخدم قضايا الاستثمار وخطط التنميه في هذا القطاع ككل, وساعتها يمكنها الاستعانه بحجم العماله كاحد المعايير المستخدمه بالنظام, واذا كانت الوزاره تشكو من صعوبه جمع المعلومات عما يتم عبر الانترنت فامامها تجارب العالم من حولنا كي تدرسها وتستفيد منها,
واذا كانت تشكو من صعوبات في جمع المعلومات من الشركات والهيئات المختلفه فعليها التصدي لاستصدار قانون عصري متكامل للمعلومات وكيفيه تجميعها وتداولها والحق في الحصول عليها, ويمكنها ضم جهودها الي المحاولات التي قامت بها وزاره الاستثمار في هذا الشان والتي وصلت الي مرحله وضع مسوده للقانون, اما الدعوه لتبني حجم العماله كخيار وحيد فهو استسهال يشبه علاج المريض بتجاهل المرض.
ghietas@ahram0505.net
No comments:
Post a Comment