قدمت الاسبوع الماضي عرضا موجزا لاوضاع مصر في تقارير الاتحاد الدولي للاتصالات مقارنه بدول العالم البالغه209 دوله خلال الفتره من2000 الي2005, وذلك كما جاء في الموشرات الرئيسيه الاربعه التي تحتويها هذه التقاريروهي موشر كثافه انتشار الخطوط التليفونيه داخل كل دوله في ضوء الموشرات العامه لهذه الدوله والمتمثله في عدد السكان والناتج القومي الاجمالي, وموشر الخطوط التليفونيه الارضيه العامه, وموشر خطوط التليفون المحموله, وموشر اوضاع تكنولوجيا المعلومات ذات العلاقه المباشره بقطاع الاتصالات كانتشار الانترنت والحاسبات الشخصيه وعدد الحاسبات المضيفه المتصله مباشره بالشبكه, وقلت ان تقارير الاتحاد تعد النموذج الافضل عند تقصي اوضاع قطاع الاتصالات المصري كما يراها العالم, لكونها تقارير تتخذ من قطاع الاتصالات محورا رئيسيا وربما وحيدا لها ومن ثم تتناوله بالكثير من العمق والتفصيل, علاوه علي ان البيانات الخام الوارده بها كثيرا ما تستخدمها التقارير الدوليه الاخري في بناء العديد من الموشرات والمواقف عند تقييمها لاوضاع التنميه المعلوماتيه ككل بالبلدان المختلفه, واليوم احاول قراءه ما تحمله الارقام حول ما حققته مصر خلال هذه الفتره من نتائج ودلالات
استنادا للارقام الوارده بالقراءه الموجزه والسريعه التي قدمتها الاسبوع الماضي يمكن استنباط مجموعه الدلالات والنتائج التاليه بشان ما جري بقطاع الاتصالات المصري خلال الفتره من2000 الي2005.
اولا: توكد التقارير ان هناك نموا كميا ملحوظا ومضطردا في اعداد الخطوط التليفونيه الثابته والمحموله وكذلك في اعداد الحاسبات المضيفه واعداد مستخدمي الانترنت خلال هذه الفتره, وهو انجاز حقق لمصر تقدما في الترتيب العام داخل الموشرات الاربعه, فقد زاد مثلا عدد الخطوط التليفونيه علي اختلاف انواعها من سته ملايين و843.5 الف خط عام2000 الي24 مليونا و25.8 الف خط عام2005, اي تم اضافه ما يزيد علي17 مليون خط خلال هذه السنوات ما بين ثابت ومحمول, ولا شك ان هذه شهاده دوليه تدعم ما ترصده شهريا تقارير وزاره الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وما يوكد عليه الوزير ومسئولو الوزاره.
ثانيا: يتضح من التقارير ان ما تم انجازه من نمو كمي خلال هذه السنوات لم يكن كافيا لتحقيق تغيير نوعي متماثل القوه في مكانه قطاع الاتصالات كاليه من اليات التنميه المجتمعيه الشامله, فمثلا ارتفع عدد خطوط التليفونات خلال هذه السنوات بما يزيد علي17 مليون خط كما سبق القول, لكن هذه الزيادات التي تبدو ضخمه كميا تظهر بصوره مختلفه نوعيا وفقا لمعيار عدد الخطوط المتاحه لكل مائه مواطن, ففي هذا المعيار ارتفع العدد من10.78 خط لكل مائه مواطن عام2000 الي32.45 خط عام2005, وهذا المعيار هو الذي جعل ال17 مليون خط التي اضيفت تنقل مصر من المرتبه133 الي118 في موشر الكثافه بالنسبه لعدد الافراد, وهي مرتبه متدنيه ولا تزال غير مقبوله لانها تحمل في طياتها ان حوالي ثلثي السكان تقريبا لا يزالون خارج التغطيه التليفونيه الثابته والمحموله معا, هذا بخلاف ان الزياده تعود في قسم كبير منها لمشتركي المحمول بالاساس, ولذلك اذا ما تناولنا الخطوط الارضيه الثابته والتليفونات العامه فقط سنجد بريق الرقم قد خفت الي حد كبير واصبح الوضع مختلفا.
ثالثا: في قطاع المحمول نجد ان الدلاله الابرز هي حدوث الطفره خلال عام2001 حيث بلغ النمو بعدد المشتركين في هذه السنه227.9% وعام2002 الذي سجل نموا قدره133.1%, ثم عام2003 الذي سجل نموا قدره129.6% وبعد ذلك عاد موشر النمو في عدد المشتركين للهدوء حيث سجل73.9% عام2004 ثم58.6% عام2005, وقد ترتب علي هذا النمط غير المنتظم من النمو ان قفز ترتيب مصر طبقا لمعيار معدل النمو السنوي المجمع الي المرتبه السادسه علي العالم عام2000 ثم المرتبه الثانيه علي العالم2001, ثم المرتبه21 علي العالم2002, ثم حدث تراجع بعد ذلك ليصبح مركز مصر ال64 عام2005, وهذا يعطي دلالتين الاولي ان سوق المحمول بدات تتجه للنمو البطيء الخالي من الطفرات وهي مرحله تسبق التشبع, والثانيه ان هناك اسواق محمول بدول اخري دخلت الي الساحه وباتت تنمو وتتطور بمعدلات متسارعه للغايه ساهمت بدورها في دفع مرتبه مصر بهذا الموشر الي الوراء راجع الدول الخمس السابقه والتاليه علي ترتيب مصر في هذا الموشر والمنشور الاسبوع الماضي.
رابعا: توفر الموشرات الخاصه بتكنولوجيا المعلومات دليلا اضافيا علي فكره التقدم التقني والتعثر المجتمعي الحاصله بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المصري بشكل عام والتي وجدنا نموذجا حيا لها في الموشرات الخاصه بتقييم اوضاع مشروعات وبرامج الحكومه الالكترونيه في مصر واشرت اليها في مقال سابق, فالزياده التي حدثت في عدد الخطوط التليفونيه خاصه الثابته لم تكن مصحوبه بزياده مناسبه في عدد الحاسبات المضيفه المتصله بالانترنت, ففي حين ارتفع عدد الخطوط التليفونيه الثابته لكل مائه مواطن من8.64 خط عام2000 الي14.04 خط لكل مائه مواطن عام2005, ارتفع عدد الحاسبات المضيفه لكل عشره الاف مواطن من0.35 عام2000 الي0.50 فقط عام2005, وهي زياده ضئيله تعكس ضعفا واضحا في استغلال وتوظيف البنيه الاساسيه الاتصاليه التي تم توفيرها بالبلاد في بناء مواقع ومحتوي ذي قيمه ومنفعه علي الانترنت, ويمكننا الوصول لنتيجه مشابهه حينما نقارن بين عدد مستخدمي الانترنت وعدد الحاسبات المضيفه.
خامسا: تدفعنا الارقام الوارده بالتقارير الي القول بان احدا لا يستطيع التشكيك في الحديث المتواتر والمستمر حول الانجازات الكميه التي يتم تحقيقها في قطاع الاتصالات لكونه حديثا يحدد ما يتم تحقيقه بالارقام, لكنه في الوقت نفسه حديث ناقص لا يكفي لرسم صوره كامله لما يجري, ولكي يستكمل هذا الحديث ويكتسب صورته النهائيه لابد من مقارنته مع امرين مهمين: الاول هو ما تحتاجه البلاد والجماهير العريضه للشعب من خدمات الاتصالات ويعتبر حقا مشروعا لها, فمهما بدا الانجاز الكمي ضخما ورائعا فهو لا يتحول الي قيمه الا اذا كان يفي بالفعل باحتياجات الجماهير او يلبي قسما كبيرا منها علي الاقل, ثم يجري تفعيله وتوظيفه عمليا بعد ذلك وفق منهجيه سليمه, فعلي سبيل المثال لا يجب ان نكتفي بالقول ان الوزاره اضافت عده ملايين من خطوط التليفون خلال خمس سنوات, ولكن يجب مقارنه هذه الملايين بعدد الخطوط التي كانت تحتاجها الجماهير بالفعل خلال هذه الفتره وهل تشكل هذه الملايين المنفذه ربع ام نصف ام كل ما كانت الجماهير تحتاجه خلال هذه الفتره, ولابد ايضا من معرفه ما اذا كانت هذه الخطوط هي التي كان بمقدور الوزاره نشرها بالمجتمع خلال هذه الفتره و
فقا للامكانيات المتاحه لها ام كان بامكانها توفير المزيد ولم تفعل ام ان انجازها فاق ما هو متاح لها من قدرات.
والمطالبه باستخدام مثل هذه الطريقه في عرض التقدم او الانجاز مرجعها ان الجهات الدوليه لا تعتمد علي الارقام الكميه فقط عند قياس ما تحققه الدول من تقدم او تراجع, بل تربطها كيفيا بالاوضاع المجتمعيه العامه من حيث معدلات الدخل والنمو وعدد السكان وغيرها, ولعل الاختلاف بين التركيز علي الكم فقط والاخذ بالكم والكيف معا هو الذي يفسر ما تري الوزاره احيانا انه انجازات لم تعبر عنها التقارير الدوليه بدقه عند تقييمها للاوضاع في مصر, ولعل ما حدث مع تقرير دافوس الاخير خير دليل علي ذلك.
هناك عامل مهم يلعب دورا في تحديد اوضاع مصر داخل مثل هذه التقارير الا وهو اداء الاخرين, بمعني اننا قد نحقق انجازا ومع ذلك تتدني مراتبنا ومراكزنا داخل الموشرات المختلفه لان الاخرين تقدموا بمعدلات اسرع واقوي, وبالتالي فالتقدم وطنيا في موشر ما لا يعني بالضروره التقدم بدرجه مماثله عالميا, لان هذا التقدم عرضه لان يفقد تاثيره عالميا اذا كان هناك عشرات البلدان قد حققت خطوات اكبر للامام, ومن يراجع الارقام التي اوردناها الاسبوع الماضي يجد ان كثيرا من المجالات التي حققت فيها مصر تقدما علي المستوي الوطني لم تضمن لها تقدما مماثلا عند ترتيبها بين دول العالم, لان هناك دولا سجلت نموا اسرع واعلي قيمه وتاثيرا بمراحل, ومما يلفت النظر في هذه النقطه ان اداء قطاعات الاتصالات بالكثير من الدول الافريقيه والناميه كان اسرع كثيرا من اداء قطاع الاتصالات المصري بمعايير الكيف لا الكم, ومن ثم وجدنا كثيرا من هذه الدول تاتي من خلف مصر لتحتل مراكز متفوقه عنها بمراحل.
وخلاصه هذه الدلالات مجتمعه ان قطاع الاتصالات المصري لا يعيش في فراغ بل في تلاحم كامل مع مجتمعه المحلي ومحيطه العالمي, ولذلك فان الحكم علي ادائه العام داخل التقارير الدوليه لا يتوقف عند ما يذكر من ارقام كميه منفرده بل يتحدد تبعا لتفاعلاته مع مجتمعه وكذلك قدرته علي لعب دور فاعل في مواجهه نظراء وجيران ومنافسي مصر علي ساحه الاتصالات دوليا, وهذا ما نامل ان تاخذه وزاره الاتصالات في الاعتبار وهي تعد نفسها للتعامل مع الجهات المصدره لهذه التقارير خلال الفتره المقبله..
ghietas@ahram0505.net
No comments:
Post a Comment