Tuesday, April 24, 2007

تحليل فني من وزارة الاتصالات للتقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات

منقول عن جمال غيطاس في الأهرام يوم 24 ابريل 2007

بعد مرور‏20‏ يوما علي ظهور التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات أصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأربعاء الماضي تحليلا فنيا لما جاء بالتقرير عن مصر‏,‏ وركز التحليل علي استعراض الإيجابيات والسلبيات التي قال التقرير العالمي أنها تكتنف عملية التنمية المعلوماتية بالبلاد بمفهومها الشامل ودور الوزارات والجهات المختلفة في كل منها‏,‏ وكيف أدت حصيلة هذه الإيجابيات والسلبيات إلي تخفيض مرتبة مصر بالتقرير‏14‏ درجة لتحتل المرتبة رقم‏77,‏ وفي تصوري أن هذا التحليل ربما يكون الخطوة الأولي من نوعها التي تتعامل بجرأة ودون مجاملات مع قضايا التنمية المعلوماتية بالبلاد وتضع الكل أمام مسئولياته‏,‏ وتؤكد أن سقف التعامل مع هذه القضية يتعين أن يرتفع ويتسع ليصبح قضية دولة في أعلي مستوياتها ومسئولياتها المجتمعية‏,‏ وليس فقط مسئولية وزارة محصورة في اختصاصاتها التقنية‏.‏

جاء التحليل ـ الذي نشر كاملا ببعض الصحف الصادرة صباح الخميس الماضي ـ محتويا علي الكثير من الأجزاء التي يمكن التعليق عليها ومناقشتها لاحقا‏,‏ لكن الجزء المحوري والحيوي الذي لابد من الوقوف عنده والتركيز عليه الآن هو الخاص بالمؤشرات الفرعية التي اعتمد عليها معدو التقرير العالمي في تكوين نتيجتهم النهائية الخاصة بتخفيض مرتبة مصر‏14‏ درجة‏,‏ وهي كما يقول تحليل الوزارة‏67‏ مؤشرا فرعيا‏,‏ استطاعت مصر تحقيق تقدم في‏22‏ منها وسجلت تراجعا في الـ‏34‏ مؤشرا الباقية‏,‏ وذكر التحليل المنشور عينة من هذه المؤشرات تتمثل في‏12‏ مؤشرا حدث بها تحسن و‏22‏ مؤشرا حدث بها تراجع‏,‏ وبالنسبة لعينة المؤشرات التي حدث بها تحسن كانت درجات التقدم كالتالي‏:‏
ـ توافر الهواتف المحمولة‏43‏ درجة‏.‏
ـ الوقت اللازم للإعداد لبدء شركة أو مؤسسة‏38‏ درجة‏.‏
ـ خطوات الإجراءات اللازمة لبدء شركة جديدة‏33‏ درجة‏.‏
ـ استخدام الإنترنت في المدارس‏17‏ درجة‏.‏

ـ توافر خطوط التليفون الثابت‏11‏ درجة‏.‏
ـ انتشار الإنترنت‏9‏ درجات‏.‏
ـ زيادة التنافسية بين مقدمي خدمات الإنترنت‏4‏ درجات‏.‏

ـ المشاركة الإلكترونية‏25‏ درجة‏.‏
ـ التأثير الضريبي‏23‏ درجة‏.‏
ـ استعداد الحكومة الإلكترونية‏22‏ درجة‏.‏

ـ المشتريات الحكومية من المنتجات عالية التقنية‏11‏ درجة‏.‏
وبالنسبة لعينة المؤشرات التي حدث بها تراجع كانت درجات التراجع كالتالي‏:‏
ـ الأولوية الحكومية لتكنولوجيا المعلومات‏69‏ درجة‏.‏

ـ رؤية الحكومة لمدي الأهمية المستقبلية لتكنولوجيا المعلومات‏29‏ درجة‏.‏
ـ الإنفاق علي الأبحاث والتطوير في الشركات‏25‏ درجة‏.‏

ـ كفاءة وجودة العملية التعليمية والمدارس العامة‏21‏ درجة‏.‏
ـ جودة مؤسسات ومعاهد البحث العلمي‏19‏ درجة‏.‏
ـ تأثير البيروقراطية الحكومية‏16‏ درجة‏.‏
ـ التدريب والبحث العلمي المحلي‏15‏ درجة‏.‏
ـ توافر رأس مال المخاطر في مجال الاستثمار‏14‏ درجة‏.‏

ـ كفاءة الجهات التشريعية‏13‏ درجة‏.‏
ـ التعاون البحثي بين الجامعات والصناعة‏12‏ درجة‏.‏
ـ تكلفة الخدمات التليفونية في المنازل‏11‏ درجة‏.‏
ـ القدرات الإبداعية والابتكار‏11‏ درجة‏.‏

ـ تعليم الرياضيات والعلوم‏10‏ درجات‏.‏
ـ استخدام تكنولوجيا المعلومات في رفع كفاءة الجهات الحكومية‏10‏ درجات‏.‏
ـ كفاءة استيعاب التقنيات في الشركات‏9‏ درجات‏.‏
ـ توافر العلماء والمهندسين عامة في العلوم‏8‏ درجات‏.‏
ـ جودة نظم التعليم‏8‏ درجات‏.‏

ـ جودة كليات ومدارس الإدارة‏8‏ درجات‏.‏
ـ حماية حقوق الملكية الفكرية‏7‏ درجات‏.‏
ـ الاستعداد التقني‏5‏ درجات‏.‏
ـ تقدم سوق المال‏5‏ درجات‏.‏
ـ الأنظمة المؤمنة لخدمة الإنترنت درجتان‏.‏

وحينما نقارن المؤشرات التي تحسنت بتلك التي تراجعت سنجد أن التحسن يتركز في مجالات الاختصاص المباشر لوزارة الاتصالات وجميعها يتعلق بنشر وبناء كل ما هو تقني‏,‏ أما التراجع فيقع في النطاق المجتمعي الواسع الذي يشكل الأساس العريض للتنمية المعلوماتية بمفهومها الشامل ويفترض أن تتفاعل معه وزارة الاتصالات‏,‏ فطبقا للتحليل هناك‏15‏ من المؤشرات التي تراجعت تختص بالاستثمار والبنية التشريعية والإصلاح المالي و‏9‏ تخص التعليم وقضاياه و‏6‏ تخص الحكومة الإلكترونية والجهاز الحكومي وواحد يخص الكهرباء‏.‏

ووجود مثل هذه المتغيرات ضمن وسائل تقييم موقف مصر يؤكد ما ذكرته الأسبوع الماضي من أن وزارة الاتصالات تري أن مهمتها ورسالتها الأساسية هي تشييد الشبكات ونشر الأجهزة والمعدات وبناء الكوادر‏,‏ أما القائمون علي هذه التقارير فرؤيتهم تتجاوز ذلك لتحتوي الأوضاع التنموية الشاملة ومدي تفعيل ما يتم تشييده من شبكات ونشره من أجهزة في تحسين حياة الناس إلي الأفضل‏,‏ وبسبب هذا الخلاف في الرؤي يبدو الأمر وكأن الوزارة تتحدث عن إنجاز قطاعي تقني وهم يتحدثون عن تراجع تنموي كلي‏.‏

وفي ضوء ذلك يمكننا ان نستنتج بسهولة أن التراجع فيما هو مجتمعي قوض أو بدد التحسن فيما هو تقني‏,‏ وذلك علي النحو التالي‏:‏

ـ في المجال الحكومي حدث تقدم بمؤشر استعداد الحكومة الإلكترونية مقداره‏22‏ درجة‏,‏ وتقدم بمؤشر المشتريات الحكومية من المنتجات عالية التقنية مقداره‏11‏ درجة‏,‏ لكن هذا التقدم جري امتصاصه وتبديد أثره تحت وطأة التراجع الذي حدث بمؤشر الأولوية الحكومية لتكنولوجيا المعلومات وكان مقداره‏69‏ درجة‏,‏ والتراجع بمؤشر رؤية الحكومة لمدي الأهمية المستقبلية لتكنولوجيا المعلومات ومقداره‏29‏ درجة‏,‏ والتراجع بمؤشر تأثير البيروقراطية الحكومية ومقداره‏16‏ درجة‏,‏ والتراجع بمؤشر استخدام تكنولوجيا المعلومات في رفع كفاءة الجهات الحكومية ومقداره‏10‏ درجات‏,‏ وتدل هذه التراجعات علي أن المحيط الحكومي العام في حالة تقاطع وربما خصومة مع التكنولوجيا‏,‏ فالحكومة تتبني مشروعات للحكومة الإلكترونية وتشتري أجهزة ومعدات عالية التقنية وتنشئ شبكات معلومات‏,‏ لكن قناعتها بجدوي تكنولوجيا المعلومات تتراجع بشدة علاوة علي أنها لا تري لها أهمية مستقبلية كما تترك البيروقراطية تفترس الأداء الحكومي بدلا من أن تجعل تكنولوجيا المعلومات بديلا لها‏.‏

ـ في مجال الشركات تحقق تقدم في مؤشر الوقت اللازم للإعداد لبدء شركة أو مؤسسة جديدة بلغ‏38‏ درجة‏,‏ وفي مؤشر خطوات الإجراءات اللازمة لبدء شركة جديدة تقدم ترتيب مصر‏33‏ درجة‏,‏ لكن حالة الخصام المجتمعي عكست نفسها بشكل آخر مخالف فيما يتعلق بتفعيل التكنولوجيا بالشركات‏,‏ بدليل أن مؤشر كفاءة استيعاب التقنيات في الشركات تراجع بمعدل‏9‏ درجات‏.‏

ـ وفي مجال التعليم قبل الجامعي وجدنا أن مؤشر استخدام الإنترنت في المدارس يتقدم‏17‏ درجة‏,‏ بينما مؤشر كفاءة وجودة العملية التعليمية والمدارس العامة يتراجع‏21‏ درجة ومؤشر جودة نظم التعليم يتراجع‏8‏ درجات‏,‏ أي أن التوسع في استخدام الإنترنت بالمدارس لم يؤثر بأي درجة علي جودة العملية التعليمية أو نظم التعليم‏,‏ بل لم يمنع حدوث المزيد من التدهور‏.‏

ـ في مجال البنية الأساسية والتفعيل العام لتكنولوجيا المعلومات بالمجتمع حدث تحسن واضح في نشر تجليات وملامح التكنولوجيا بالمجتمع وتجسد ذلك في تقدم مؤشر توافر التليفونات المحمولة‏43‏ درجة وتقدم مؤشر انتشار الإنترنت‏9‏ درجات‏,‏ وتقدم مؤشر زيادة التنافسية بين مقدمي خدمات الإنترنت‏4‏ درجات‏,‏ وتقدم مؤشر المشاركة الإلكترونية‏25‏ درجة ومؤشر توافر خطوط التليفون الثابت‏11‏ درجة‏,‏ لكن علي الرغم من كل هذا التحسن كان هناك تراجع واضح في المؤشرات الدالة علي التفعيل والتوظيف العملي للتكنولوجيا مجتمعيا‏,‏ فمؤشر الاستعداد التقني العام للبلاد تراجع‏5‏ درجات‏,‏ ومؤشر استخدام تكنولوجيا المعلومات في رفع كفاءة الجهات الحكومية تراجع‏10‏ درجات‏,‏ ومؤشر كفاءة استيعاب التقنيات في الشركات تراجع‏9‏ درجات‏,‏ فضلا عن التراجع في مؤشرات الجودة التعليمية والنظام التعليمي‏,‏ وهذا وضع متناقض يمكن تفسيره إما بحالة الخصومة فيما بين المحيط المجتمعي وجهود نشر تكنولوجيا المعلومات ومنتجاتها وأدواتها أو أن هناك خطأ في أسلوب تقديم التكنولوجيا للمجتمع يجعلها منتشرة ظاهريا وعاجزة فعليا وعمليا‏.‏

ـ يلاحظ من التحليل أيضا أنه حدث تراجع في جميع المؤشرات الدالة علي إمكانية تحقيق تنمية معلوماتية ذاتية مستقلة عميقة علي مستوي الوطن‏,‏ ومنها مؤشرات الإنفاق علي الأبحاث والتطوير في الشركات وجودة مؤسسات ومعاهد البحث العلمي والتدريب والبحث العلمي المحلي والتعاون البحثي بين الجامعات والصناعة والقدرات الإبداعية والابتكار والتعليم والرياضيات والعلوم وتوافر العلماء والمهندسين وجودة نظم التعليم وجودة كليات ومدارس الإدارة‏,‏ حيث تراوح التراجع في هذه المؤشرات ما بين‏8‏ و‏25‏ درجة‏,‏ وهذا يعزز الفكرة التي طالما كررتها سابقا بأن جزءا كبيرا من الإنجاز في هذا القطاع يتم في نطاق الترويج والبيع والتجارة لا نطاق التصنيع والتفكير والقيمة المضافة‏,‏ وإن كان التنافر في هذه النقطة بالتحديد ليس بين الإنجاز التقني والمحيط المجتمعي ولكن بين الإنجاز التقني ومستقبل الوطن‏.‏

خلاصة ما سبق أننا أمام بارقة أمل تتمثل في القدرة علي الإنجاز التقني بصورة أو بأخري‏,‏ لكن هذه البارقة في حالة اشتباك وربما خصومة مع محيط مجتمعي يسلبها فاعليتها‏,‏ وإذا جاز التشبيه فيمكنني القول أن جهود وزارة الاتصالات تبدو كدفقات من المياه العذبة التي تدخل بحيرة مالحة وملوحتها آخذة بالارتفاع‏,‏ ولأن معدل ارتفاع الملوحة أكبر من قدرة المياه العذبة علي إذابة الأملاح تتجه البحيرة بكاملها صوب مزيد من الملوحة‏.‏

بعبارة أخري‏:‏ تقول هذه العينة من المؤشرات أن وزارة الاتصالات تنجز تقدما في مسارات متعددة لكنه يتآكل ويتبدد تحت وطأة متغيرات وعوامل تقع ضمن اختصاص وزارات أخري فتبدو النتيجة الإجمالية بالنسبة للبلاد ككل سلبية‏,‏ وهذه معضلة تتطلب أن تعيد الوزارة النظر في سياساتها وخططها وطريقة أداء مسئوليها‏,‏ وتعي أنه قبل أن تمارس دورها في نشر الشبكات والأجهزة عليها أولا أن تزرع الفهم والقناعات الصحيحة لدي نظيراتها من الوزارات والهيئات الأخري وتعمل بكل قوة علي تغيير الذهنية الحكومية والمجتمعية لتنقل من حالة الخصومة مع التكنولوجيا إلي القبول بها ودعمها‏,‏ حتي لا يتبدد الإنجاز التقني في المحيط المجتمعي غير الملائم‏.‏

وإذا تخلت الوزارة عن هذه المهمة أو أجلتها خوفا من المواجهة مع الآخرين فستظل أوضاع الوزارات والقطاعات الأخري بالمجتمع تأكل حسناتها أولا بأول لتكون حصيلة البلاد ككل صفر‏,‏ وللإنصاف هذه مهمة تتجاوز كما قلت في البداية اختصاص الوزارة الضيق إلي الدولة بكامل قيادتها علي كل المستويات خاصة رئيس الوزراء‏,‏ ولحسن الحظ أنه لا يوجد في تاريخ رؤساء الوزارات بمصر من يعلم هذه الحقيقة أفضل من الدكتور نظيف‏,‏ وإذا لم تحدث هذه النقلة النوعية في وجوده فستفوت علي مصر فرصة ربما لن تتكرر مستقبلا بسهولة وستكون سمعة ومكانة البلاد عرضة لتراجعات أخري‏.‏


جمال محمد غيطاس
ghietas@ahram0505.net

No comments: