Monday, April 23, 2007

تصريحات وزير الاتصالات‏..‏ ومكانة مصر في التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات



قلت الأسبوع الماضي أن صدمة التراجع في مكانة مصر بالتقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام‏2007‏ تدفعنا إلي تقصي أوضاع ومكانة مصر ببعض التقارير الدولية المهمة الأخري باعتبار أن هذه التقارير تعد عاملا مؤثرا في صناعة الصورة الذهنية عالميا لصناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر‏,‏ ومن ثم التأثير علي قرارات الاستثمار والقدرة علي التصدير وغير ذلك من القضايا فائقة الحيوية‏,‏ ولذلك قمت بالتعرض لمكانة مصر في تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة الخاصة بأوضاع برامج الحكومة في الـ‏192‏ دولة الأعضاء بالمنظمة‏,‏ وكنت أنوي هذا الأسبوع المضي قدما في هذا الاتجاه لرصد بعض الأوضاع الأخري‏,‏ لكن وزير الاتصالات أدلي بتصريحات حول القضية أري أنه من المهم التوقف عندها‏,‏ فعلي الرغم من كونها تصريحات مقتضبة إلا أنها توحي بأن لدينا بالفعل أوضاعا لابد من إعادة النظر في سبل مواجهتها‏.‏

سئل الوزير‏:‏ لماذا حصلنا علي ترتيب متواضع في تقرير تكنولوجيا المعلومات الذي أصدره منتدي دافوس أخيرا‏,‏ حيث حصلت مصر علي المركز رقم‏77‏ من بين‏122‏ دوله؟ فأجاب‏:‏ هذه المنتديات التي تقوم بإعداد هذه التقارير كثيرة جدا وبأمانه نحن أحيانا نتأخر في إتاحة البيانات لهذه الجهات لواقع البنية الأساسية في مصر في وقت رصد التقرير فيقومون باستخدام البيانات القديمة المتاحة لهم‏.‏

وسئل ثانية‏:‏ولماذا لا نقوم بإمداد هذه المنتديات بالبيانات أولا بأول؟ فأجاب‏:‏ هذا خطا نقوم بتداركه الآن ونحن بحاجه إلي تسويق أنفسنا في العالم بأكثر مما يتم ولذلك سيتم التعاقد مع شركة متخصصة في التعامل مع هذه المنتديات والجهات من أجل سرعة إمدادها بالمعلومات المطلوبة‏,‏ ولكن من ناحية التطور في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فإننامن الممكن أن نقيس التطور بحجم تعدد الزيارات التي تأتي إلي مصر من رؤساء الشركات العالمية وهؤلاء لا يأتون إلا إذا كانت الأمور مبشرة والبلد واعدا به كوادر ونمو‏.‏

وهذه الإجابة من جانب الوزير تحمل الكثير من النقاط التي تحتاج إلي مناقشة وقراءة من جوانب مختلفة‏,‏ وأول انطباع خرجت به من هذه الإجابة أنها تعزو تدهور مكانة مصر بالتقارير الدولية إلي مبررات وأسباب قديمة سبق للوزير أن أعلنها منذ عدة سنوات قبل توليه الوزارة‏,‏ ففي عددها الصادر في نوفمبر‏2002‏ نشرت مجلة سي آي أو الأمريكية ـ الموجهة لمديري تكنولوجيا المعلومات حول العالم ـ تصنيفا للدول النامية الصاعدة في مجال تكنولوجيا المعلومات ووضعت مصر في ذيل القائمة مع الدول المؤشر عليها باللون الأحمر الذي يعني الحالة الحرجة المتدنية‏,‏

وكتبت تعليقا بجوار موقع مصر بالتصنيف قالت فيه‏:‏ لا توجد أي علامة علي التغيير في سوق تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات المصرية في الأجل القصير‏,‏ والدعم الحكومي كله كلام وليس فعلا‏,‏ وفي ندوة صادرات البرمجيات التي عقدت علي هامش مؤتمر ومعرض القاهرة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منتصف يناير‏2003‏ وحضرها معظم مسئولي وزارة الاتصالات ورؤساء الشركات المحلية والعالمية‏,‏ عرضت هذا التصنيف علي الحاضرين متسائلا عن سبب تدني مكانة مصر علي هذا النحو‏,‏ فرد الدكتور طارق كامل ـ وكان ساعتها مساعدا للدكتور نظيف ـ بأن المجلة المذكورة طلبت بيانات وحدث تأخير في مدهم بها فوضعوا مصر في ذيل التصنيف وكتبوا هذا التعليق‏.‏

وإذا استندنا لما قاله الوزير عام‏2003‏ وما قاله أخيرا نجد أمامنا إنجاز لم يتم التعبير عنه وإقناع القائمين علي التقارير به‏,‏ وإذا نظرنا لتقارير دافوس عن أعوام‏2004‏ و‏2005‏ و‏2006‏ سنجد أننا تراجعنا في السنوات الثلاث من المرتبة‏57‏ إلي‏63‏ إلي‏77‏ علي التوالي‏,‏ وحاصل جمع هذين الأمرين يؤكد أننا لسنا أمام مسألة طارئة أو عارضة بل نهج مستمر لدي وزارة الاتصالات بعدم الاعتداد أو الإكتراث بتقديم بيانات حديثة ومدققة للجهات القائمة علي هذه التقارير‏,‏ وبالتالي فالوضع الآن كما يلي‏:‏

ـ طبقا لتصريحات الوزير فإن مصر اجتهدت وأنجزت‏.‏
ـ وطبقا لبيانات تقارير دافوس هناك من كان مقصرا وغير عابئ بالتعبير عن ذلك الإنجاز أمام العالم وكان سببا في تدهور سمعة مصر ومكانتها علي هذا النحو المريع داخل تقارير تلعب ـ مع غيرها ـ دورا لا يمكن إنكاره في رسم الصورة الذهنية لمصر عالميا‏,‏ تلك الصورة التي تعد حجر الأساس في نظرة العالم إلي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وفرص الاستثمار به وتلقي صادرته واحترام كوادره‏.‏

وهذا الوضع يجعلنا أمام خسارة مزدوجة هي خسارة السمعة وخسارة إقناع الآخرين بما يفترض أننا حققناه من إنجاز‏,‏ وهذا أخطر وأكثر إيلاما مما لو كنا قد ظللنا علي ما نحن فيه دون إنجاز‏,‏ لأننا في هذه الحالة كنا سنخسر خسارة واحدة هي السمعة فقط‏.‏

ويفهم من التصريحات أيضا أننا لا نزال نفتقر إلي نظام قومي فعال للقياس والمتابعة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات‏,‏ وأن لدينا فجوة إحصائية تتمثل في النقص الكبير في البيانات والمعلومات الخاصة بأوضاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سابقا وحاليا داخل المجتمع‏,‏ وفي النقص الكبير في البيانات الإحصائية التي يمكن استخدامها في رصد التأثير الفعلي لهذه التكنولوجيات والخطط علي المجتمع‏,‏ ولو كان لدينا نظام وطني للقياس والمتابعة لتوافرت إجابات لكل هذه الأسئلة ولما حدث تأخير في مد الجهات الدولية بالبيانات المطلوبة‏,‏ ولما كانت هناك حاجة للتفكير في التعاقد مع شركة أجنبية تتعامل نيابة عن مصر مع المنتديات والمحافل الدولية المصدرة للتقارير‏.‏

وقال الوزير في تصريحاته نحن أحيانا نتأخر في إتاحة البيانات لهذه الجهات في وقت رصد التقرير فيقومون باستخدام البيانات القديمة المتاحة لهم وهذا قول يحتاج مناقشة‏,‏ فالواضح من التقارير أن مكانة مصر تدهورت وتدنت في تقرير‏2005‏ مقارنة بتقرير‏2004,‏ ثم تدنت في تقرير‏2006‏ مقارنة بتقرير‏2005,‏ ثم تدنت للمرة الثالثة في تقرير‏2007‏ مقارنة بتقرير‏2006,‏ أي أن البيانات التي أتيحت لهذه الجهات عن عام‏2004‏ وفرت لمصر وضعا أفضل مما فعلته البيانات التي أتيحت لهم عن عام‏2005,‏ وبيانات‏2005‏ رسمت لمصر وضعا أفضل من بيانات عام‏2006‏ وهكذا‏,‏ ويكشف هذا السياق عن أنه إما كان لدي هذه الجهات بيانات قديمة وحديثة وليس قديمة فقط وأن البيانات القديمة كانت ترسم لمصر وضعا أفضل من الحديثة‏,‏ أو كان لديهم بيانات قديمة فقط وقفت عند عام‏2003‏ ولم يتم تحديثها طوال هذه السنوات‏,‏ وفي الحالتين لسنا أمام قضية يمكن وصفها بأنها خطأ يتم العمل علي تداركه‏,‏ بل أمام تقصير جسيم أحدث ضررا بليغا بمكانة الوطن وسمعته ومكانته عالميا ويقتضي المساءلة الجدية لمن تقاعسوا وأهملوا ولم يكترثوا بإبلاغ وإقناع الجهات المصدرة لهذه التقارير بما أشار إليه الوزير من إنجازات‏.‏

وأشار الوزير في تصريحاته إلي أن هناك تأخيرا في إتاحة البيانات لهذه الجهات لواقع البنية الأساسية في مصر كما أشار إلي أنه من ناحية التطور في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فإننا من الممكن أن نقيس التطور بحجم تعدد الزيارات التي تأتي إلي مصر من رؤساء الشركات العالمية وهؤلاء لا يأتون إلا إذا كانت الأمور مبشرة والبلد واعدا‏.‏

والواضح من هذا القول أن وزارة الاتصالات تستخدم معيارين لقياس ما تحققه من إنجاز‏,‏ المعيار الأول هو التقدم الذي يحدث في البنية الأساسية‏,‏ والثاني معدل الزيارات التي يقوم بها رؤساء الشركات الأجنبية لمصر وهو ما يمكن ترجمته في الاستثمار الأجنبي‏,‏ وعمليا يختلف هذان المعياران اختلافا واضحا عن المعايير التي تستخدمها التقارير الدولية في قياس التقدم‏,‏ فتقرير دافوس ـ مثلا ـ يتحدث عن مؤشرات لقياس مدي ما لدي البلدان المختلفة من إرادة وإنجاز حقيقي علي الأرض في تفعيل وتوظيف الفرص التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمة عمليات التنمية المجتمعية الشاملة وزيادة التنافسية الاقتصادية بشكل عام عبر ثلاثة محاور رئيسية هي الأعمال العامة والبيئة التنظيمية والبنية الأساسية‏,‏ بعبارة أخري هناك تصور لدي الوزارة يري أن مهمتها ورسالتها الأساسية تقف عند حدود الفكرة التي لخصها أحد كبار المسئولين يومــا مــــا بـالسلك والجهاز‏,‏ أو تشييد الشبكات ونشر الأجهزة والمعدات‏,‏ وتصور آخر لدي القائمين علي هذه التقارير يتجاوز ذلك كثيرا إلي آفاق أكثر رحابة واتساعا ليشمل مدي تفعيل ما يتم تشييده من شبكات ونشره من أجهزة في تحسين حياة الناس إلي الأفضل‏.‏

وفي تصوري أن مساحة الاختلاف بين معايير الوزارة ومعايير التقارير الدولية هي لب التحدي الذي تواجهه سياسات وخطط وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات‏,‏ لأن حصر الإنجاز في البنية الأساسية والاستثمار الأجنبي يجعله في التحليل النهائي حديث حول نشر منتجات التكنولوجيا وتجلياتها الظاهرية بما يرتبط بها من ترويج واسع النطاق للأجهزة والمعدات وما يستتبعه من تنشيط للسوق وللمبيعات‏,‏ يجد بالتبعية آذان مصغية لدي رؤساء الشركات الذين يحركهم بالأساس اتجاه مؤشر المبيعات لا اتجاه مؤشر التنمية الشاملة ودورها في خدمة المجتمع بفئاته العريضة‏,‏ ويجعله بالضرورة حديثا قافزا فوق الواقع المجتمعي بتحدياته وأزماته وفرصه وطموحاته وتفضيلاته وتاريخه وموروثاته‏,‏ ومن ثم عندما يتم تقييم هذا الإنجاز بالمعايير الدولية يظهر في حجمه الحقيقي محدودا وسط مساحات واسعة من الفراغ داخل منظومة المؤشرات العريضة للتنمية‏,‏ فيفشل في نقل البلاد من مرتبة أدني إلي مرتبة أعلي داخل هذه التقارير‏.‏


جمال محمد غيطاس
ghietas@ahram0505.net

No comments: