Sunday, April 08, 2007

قراءه في التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات لعام‏2007

كتب جمال غيطاس 3ابريل 2007


صباح الخميس الماضي اطلق المنتدي الاقتصادي العالمي الذي يعقد دوريا في دافوس تقريره السادس حول اوضاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في‏122‏ دوله حول العالم‏,‏ وعقب صدوره تناولته العديد من المواقع الكبري والمتخصصه علي الانترنت بالتعليق والتفسير‏,‏ كما نشر موقع المنتدي جزءا لا باس به من بياناته الخام الاساسيه والتي توفر صوره اجماليه لفحواه ونتائجه‏,‏ وكان من بينها القائمه الكامله للدرجات التي حصلت عليها كل دوله وترتيبها داخل الموشر العام للتقرير‏,‏ وحينما راجعت موقف مصر بالتقرير وجدتها قد تقهقرت للوراء‏14‏ نقطه دفعه واحده وفقدت مركزها الذي سجلته العام الماضي وكانت تحتل فيه المرتبه رقم‏63‏ لتصبح هذا العام في المرتبه‏77,‏ وبعد ان كانت مصر عام‏2004‏ من حيث معدل التراجع مصنفه ضمن مجموعه دول تضم اليابان والبرازيل والامارات اصبحت الان ضمن مجموعه الدول التي تسجل تراجعا سريعا وحادا وتضم اوغندا وزيمبابوي وبوتسوانا‏.‏

قبل الخوض في تفاصيل وضع مصر داخل التقرير اشير سريعا الي ان هذا التقرير من اعداد المنتدي الاقتصادي العالمي بالتعاون مع موسسه انسيد الرائده في مجال الاعمال علي المستوي الدولي‏,‏ وينشر للعام السادس علي التوالي تحت اسم تقرير تكنولوجيا المعلومات العالمي‏,‏ ويعتبر موشر الاستعداد الشبكي العمود الفقري للتقرير‏,‏ وهو عباره عن منهجيه او اداه ذات ارضيه علميه رصينه صممها باحثو ومعدو التقرير ليستخدمونها في قياس مدي ما لدي البلدان المختلفه من اراده وانجاز حقيقي علي الارض في تفعيل وتوظيف الفرص التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمه عمليات التنميه وزياده التنافسيه‏,‏ كما يختبر الموشر مدي استعداد الدول لاستخدام تكنولوجيا المعلومات بفعاليه علي ثلاثه محاور الاول الاعمال العامه والثاني البيئه التنظيميه والثالث البنيه الاساسيه المطلوبه لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات‏,‏ ولذلك يعتبر التقرير من اهم موشرات التقييم التي تحظي بالاحترام في مجال قياس تاثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات علي عمليه التنميه والقدرات التنافسيه للبلدان المختلفه حول العالم‏.‏
والان‏...‏ ما هي صوره مصر داخل التقرير؟

تقتضي الموضوعيه والبحث عن الحقيقه ان نتناول التقرير بغرض رصد اوضاع مصر كما قدمها باحثوه ومعدوه وبالصوره التي يتوقع ان يفهمها العالم وهو يحاول ان يبني مواقفه تجاه الاستثمار والتعامل مع قطاع تكنولوجيا المعلومات المصري في اطار البيئه التنافسيه العالميه شديده الضراوه والتعقيد‏,‏ واتساقا مع ذلك قمت بالتعامل مع المعلومات الوارده بالتقرير في ضوء التقريرين السابقين عليه والصادرين عامي‏2004‏ و‏2005‏ ثم قمت بتصنيف وعرض البيانات الخاصه بمصر في التقارير الثلاثه وفقا للمسارات الخمسه التاليه‏:‏

المسار الاول استهدف تلخيص الوضع العام لمصر داخل التقرير بالارقام المجمعه السريعه‏,‏ وفي هذا الصدد وجدت انه في عام‏2004‏ كانت مصر تحتل المرتبه رقم‏57‏ من بين‏104‏ دول شملها التقرير‏,‏ وكان موشر الاستعداد الرقمي يعطيها درجه هي‏-0.24,‏ وفي عام‏2005‏ ارتفع عدد الدول التي شملها التقرير الي‏115‏ دوله وتراجعت فيه مصر للوراء قليلا لتحتل المرتبه‏63‏ وتحصل علي درجه اقل هي‏-0.29‏ وبذلك خسرت مصر ست نقاط فيما يتعلق بالمرتبه وحوالي‏0.05‏ فيما يتعلق بالدرجه‏,‏ وفي التقرير الجديد الذي اعلن الخميس الماضي تكرر التراجع مره اخري ولكن بصوره اكبر حيث خسرت مصر‏14‏ نقطه دفعه واحده واحتلت المرتبه رقم‏77‏ وارتفعت الدرجه التي حصلت عليها في الموشر لتصبح‏3.44.‏

المسار الثاني حاولت من خلاله التعرف علي ترتيب مصر خلال الفتره من‏2004‏ الي‏2006‏ بالنسبه لمجموعه من الدول العربيه والدول الاخري الاقرب لمنافستها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميا‏,‏ فوجدت انه في عام‏2004‏ كانت مصر تاتي بعد اسرائيل وايرلندا والامارات وتونس والبحرين وجنوب افريقيا وقبرص والهند والاردن والبرازيل وتركيا ورومانيا‏,‏ لكنها كانت تسبق كل من باكستان وبولندا وبلغاريا واوغندا والجزائر ونيجيريا والكويت وقطر‏,‏ وفي عام‏2005‏ تغير الموقف ولم تعد مصر تسبق سوي بلغاريا وباكستان واوغندا والجزائر ونيجيريا وتفوقت عليها الكويت وقطر وبولندا‏,‏ وفي عام‏2006‏ تغير الموقف من جديد ولم تعد تسبق سوي الجزائر وباكستان ونيجيريا واوغندا وتفوقت عليها بلغاريا‏.‏

ووجدت كذلك انه من حيث معدل التراجع والتقدم خلال عام‏2005‏ كانت مصر تحتل المرتبه الثالثه بين منافسيها وجيرانها بمعدل تراجع قدره‏-6‏ عن عام‏2004,‏ وكان الاسوا منها هما البحرين بمعدل تراجع‏-16‏ والجزائر بمعدل تراجع‏-7,‏ فيما كانت باقي الدول بالجدول افضل منها بدرجات متفاوته وافضلها علي الاطلاق بولندا التي سجلت في ذلك العام معدل تقدم قدره‏19‏ نقطه‏,‏ وفي عام‏2006‏ حافظت مصر علي مرتبتها الثالثه في معدل التراجع لكنها سجلت نقاطا اكبر للوراء قدرها‏-14,‏ لكن الدول الاسوا تغيرت واصبحت اوغندا وباكستان بدلا من البحرين والجزائر اللتين استطاعتا تحسين اوضاعهما والتفوق علي مصر‏,‏ بل ان الجزائر كانت هي الدوله التي حققت افضل معدل تقدم في هذه المجموعه عام‏2006‏ باجمالي‏8‏ نقاط‏.‏

وحينما راجعت المعدل العام للتقدم والتراجع خلال فتره‏2004‏ و‏2006‏ وجدت ان مصر تحتل المرتبه الثانيه بين الدول الاسوا اداء بنقاط تراجع اجماليها‏-20‏ وذلك بعد اوغندا التي تراجعت بمقدار‏-23‏ نقطه‏,‏ في حين ان افضل الدول اداء في هذا المسار هي بولندا التي حققت تقدما اجماليا قدره‏14‏ نقطه خلال هذه الفتره‏,‏ والنتيجه التي يمكن الخروج بها من هذه الارقام ان مصر طوال هذه الفتره لم تستطع التفوق علي اي من جيرانها او منافسيها حول العالم بل تراجعت امام الجميع ولم يسبقها في التراجع سوي اوغندا‏.‏

المسار الثالث رصدت فيه الدول العشر الاقرب لمصر في الترتيب العام للتقرير وتحديدا الدول التي تحتل المراكز الخمسه السابقه عليها والخمسه اللاحقه لها بكل سنه‏,‏ ولاحظت انه في عام‏2004‏ كانت مصر تقع ضمن مجموعه دول من بينها تركيا ورومانيا والمغرب وروسيا والمكسيك ولاتفيا‏,‏ وفي عام‏2005‏ تراجعت واصبحت ضمن مجموعه دول اقل في القدرات والترتيب والقدره علي المنافسه مثل غانا والسفادور وباكستان وكازخستان واوروجواي‏,‏ وفي عام‏2006‏ تكرر السيناريو ودخلت مصر دائره دول اقل في القدرات مثل صربيا وبيرو وفيتنام واوكرانيا وجواتيمالا‏,‏ وبشكل عام يكشف هذا المسار عن ان ما يقال عن التحسين الذي يطرا علي صوره مصر عالميا ليست سوي تهاويم وخيالات يصنعها البعض من امثال قاده هيئه تنميه صناعه المعلومات‏,‏ ثم ترتد اليهم كصدي صوت يصدقونه ويحاولون اقناع الجميع بتصديقه‏,‏ اما الواقع الفعلي فهو اقرب لما يشير اليه التقرير‏.‏

المسار الرابع تتبعت من خلاله موقع مصر من حيث معدل التراجع الذي حدث لمكانتها في اطار قائمه التراجعات العامه داخل التقرير‏,‏ وهنا وجدت ان اوضاع مصر في هذه النقطه عام‏2004‏ كانت جيده الي حد كبير‏,‏ حيث كان معدل التراجع يقف عند‏-6,‏ ولذلك جاءت مصر في المرتبه رقم‏27‏ من حيث معدل التراجع‏,‏ بل كان معدل التراجع لديها اقل من اليابان التي سجلت معدل تراجع قدره‏-8‏ واكثر قليلا من الامارات التي سجلت معدل تراجع قدره‏-5,‏ لكن في عام‏2006‏ اصبح الوضع غايه في السوء حيث دخلت مصر ضمن اكبر‏10‏ دول سجلت تراجعا علي مستوي العالم واحتلت المركز الثالث في القائمه بدلا من المركز‏27‏ عام‏2004‏ لان معدل تراجعها بلغ‏-14,‏ وهو معدل لم يسبقها فيه سوي اوغندا وباكستان وتساوت معها موزمبيق والكاميرون‏,‏ وهكذا بعد ان كان معدل التراجع يضعها عام‏2004‏ بجوار دول كاليابان والامارات والبرازيل ورومانيا‏,‏ اصبحت في عام‏2006‏ بجوار موزمبيق والكاميرون‏.‏

المسار الخامس حاولت من خلاله التعرف علي الدول التي قفزت الي المراتب التي تخلت عنها مصر والدول التي اخذت مصر مكانتها بعدما تراجعت للوراء‏,‏ وقد وجدت في هذا المسار ان رومانيا استطاعت ازاحه مصر عن موقعها الذي كانت تحتله في عام‏2004‏ واصبحت هي صاحبه المرتبه رقم‏57‏ عام‏2005,‏ وتكرر السيناريو نفسه بعد ذلك‏,‏ حيث استطاعت الارجنتين ازاحه مصر عن موقعها الذي كانت تحتله عام‏2005‏ واصبحت هي صاحبه المرتبه رقم‏63‏ عام‏2006,‏ وفي المقابل نجد ان مصر في عام‏2005‏ حلت محل باكستان التي ازداد موقفها تدهورا‏,‏ كما حلت محل المغرب في عام‏2006‏ واخذت مرتبتها رقم‏77‏ بعدما استطاعت المغرب تحسين اوضاعها والقفز لمرتبه اكثر تقدما‏,‏ وهذا يعني ببساطه ان مصر خسرت مواقعها خلال هذه الفتره امام كل من رومانيا والارجنتين والمغرب‏.‏

تدلنا الارقام السابقه علي ان الفتره من‏2004‏ الي‏2006‏ هي بشكل عام فتره تراجع وتدهور مهين لمكانه مصر بالتقرير‏,‏ وهي نفسها الفتره التي تقلدت فيها الحكومه الحاليه زمام المسئوليه ورفعت فيها شعار التحول لمجتمع المعلومات واستخدام تكنولوجيا المعلومات في التنميه‏.‏

يبقي القول ان مجمل ما جاء بالتقرير يشكل صدمه لكل متابع وغيور علي مستقبل البلاد‏,‏ صدمه تدفع للذهن بعشرات الاسئله وعلامات الاستفهام‏:‏ فهل يا تري نحن ننفق ونبذل جهدا اقل مما يجب‏,‏ ام اننا نعمل وفق خطط رديئه عاجزه عن ملاحقه الاخرين ام نسير في الاتجاه الخطا؟ وما حقيقه الضجيج المستمر حول انجازات هذا القطاع وملياراته‏:‏ هل هو غثاء سيل لا قيمه له ولا وزن لدي من يدرسون ويحللون اوضاعنا حول العالم ام ماذا يجري بالضبط؟‏..‏ في كل الاحوال نحن امام صدمه تفرض ان يقدم مسئولو هذا القطاع تفسيرا واضحا للتقهقر المريع لمكانه مصر علي هذا النحو‏.‏


جمال محمد غيطاس
ghietas@ahram0505.net

No comments: