صباح الخميس الماضي اطلق المنتدي الاقتصادي العالمي الذي يعقد دوريا في دافوس تقريره السادس حول اوضاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في122 دوله حول العالم, وعقب صدوره تناولته العديد من المواقع الكبري والمتخصصه علي الانترنت بالتعليق والتفسير, كما نشر موقع المنتدي جزءا لا باس به من بياناته الخام الاساسيه والتي توفر صوره اجماليه لفحواه ونتائجه, وكان من بينها القائمه الكامله للدرجات التي حصلت عليها كل دوله وترتيبها داخل الموشر العام للتقرير, وحينما راجعت موقف مصر بالتقرير وجدتها قد تقهقرت للوراء14 نقطه دفعه واحده وفقدت مركزها الذي سجلته العام الماضي وكانت تحتل فيه المرتبه رقم63 لتصبح هذا العام في المرتبه77, وبعد ان كانت مصر عام2004 من حيث معدل التراجع مصنفه ضمن مجموعه دول تضم اليابان والبرازيل والامارات اصبحت الان ضمن مجموعه الدول التي تسجل تراجعا سريعا وحادا وتضم اوغندا وزيمبابوي وبوتسوانا.
قبل الخوض في تفاصيل وضع مصر داخل التقرير اشير سريعا الي ان هذا التقرير من اعداد المنتدي الاقتصادي العالمي بالتعاون مع موسسه انسيد الرائده في مجال الاعمال علي المستوي الدولي, وينشر للعام السادس علي التوالي تحت اسم تقرير تكنولوجيا المعلومات العالمي, ويعتبر موشر الاستعداد الشبكي العمود الفقري للتقرير, وهو عباره عن منهجيه او اداه ذات ارضيه علميه رصينه صممها باحثو ومعدو التقرير ليستخدمونها في قياس مدي ما لدي البلدان المختلفه من اراده وانجاز حقيقي علي الارض في تفعيل وتوظيف الفرص التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمه عمليات التنميه وزياده التنافسيه, كما يختبر الموشر مدي استعداد الدول لاستخدام تكنولوجيا المعلومات بفعاليه علي ثلاثه محاور الاول الاعمال العامه والثاني البيئه التنظيميه والثالث البنيه الاساسيه المطلوبه لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات, ولذلك يعتبر التقرير من اهم موشرات التقييم التي تحظي بالاحترام في مجال قياس تاثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات علي عمليه التنميه والقدرات التنافسيه للبلدان المختلفه حول العالم.
والان... ما هي صوره مصر داخل التقرير؟
تقتضي الموضوعيه والبحث عن الحقيقه ان نتناول التقرير بغرض رصد اوضاع مصر كما قدمها باحثوه ومعدوه وبالصوره التي يتوقع ان يفهمها العالم وهو يحاول ان يبني مواقفه تجاه الاستثمار والتعامل مع قطاع تكنولوجيا المعلومات المصري في اطار البيئه التنافسيه العالميه شديده الضراوه والتعقيد, واتساقا مع ذلك قمت بالتعامل مع المعلومات الوارده بالتقرير في ضوء التقريرين السابقين عليه والصادرين عامي2004 و2005 ثم قمت بتصنيف وعرض البيانات الخاصه بمصر في التقارير الثلاثه وفقا للمسارات الخمسه التاليه:
المسار الاول استهدف تلخيص الوضع العام لمصر داخل التقرير بالارقام المجمعه السريعه, وفي هذا الصدد وجدت انه في عام2004 كانت مصر تحتل المرتبه رقم57 من بين104 دول شملها التقرير, وكان موشر الاستعداد الرقمي يعطيها درجه هي-0.24, وفي عام2005 ارتفع عدد الدول التي شملها التقرير الي115 دوله وتراجعت فيه مصر للوراء قليلا لتحتل المرتبه63 وتحصل علي درجه اقل هي-0.29 وبذلك خسرت مصر ست نقاط فيما يتعلق بالمرتبه وحوالي0.05 فيما يتعلق بالدرجه, وفي التقرير الجديد الذي اعلن الخميس الماضي تكرر التراجع مره اخري ولكن بصوره اكبر حيث خسرت مصر14 نقطه دفعه واحده واحتلت المرتبه رقم77 وارتفعت الدرجه التي حصلت عليها في الموشر لتصبح3.44.
المسار الثاني حاولت من خلاله التعرف علي ترتيب مصر خلال الفتره من2004 الي2006 بالنسبه لمجموعه من الدول العربيه والدول الاخري الاقرب لمنافستها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميا, فوجدت انه في عام2004 كانت مصر تاتي بعد اسرائيل وايرلندا والامارات وتونس والبحرين وجنوب افريقيا وقبرص والهند والاردن والبرازيل وتركيا ورومانيا, لكنها كانت تسبق كل من باكستان وبولندا وبلغاريا واوغندا والجزائر ونيجيريا والكويت وقطر, وفي عام2005 تغير الموقف ولم تعد مصر تسبق سوي بلغاريا وباكستان واوغندا والجزائر ونيجيريا وتفوقت عليها الكويت وقطر وبولندا, وفي عام2006 تغير الموقف من جديد ولم تعد تسبق سوي الجزائر وباكستان ونيجيريا واوغندا وتفوقت عليها بلغاريا.
ووجدت كذلك انه من حيث معدل التراجع والتقدم خلال عام2005 كانت مصر تحتل المرتبه الثالثه بين منافسيها وجيرانها بمعدل تراجع قدره-6 عن عام2004, وكان الاسوا منها هما البحرين بمعدل تراجع-16 والجزائر بمعدل تراجع-7, فيما كانت باقي الدول بالجدول افضل منها بدرجات متفاوته وافضلها علي الاطلاق بولندا التي سجلت في ذلك العام معدل تقدم قدره19 نقطه, وفي عام2006 حافظت مصر علي مرتبتها الثالثه في معدل التراجع لكنها سجلت نقاطا اكبر للوراء قدرها-14, لكن الدول الاسوا تغيرت واصبحت اوغندا وباكستان بدلا من البحرين والجزائر اللتين استطاعتا تحسين اوضاعهما والتفوق علي مصر, بل ان الجزائر كانت هي الدوله التي حققت افضل معدل تقدم في هذه المجموعه عام2006 باجمالي8 نقاط.
وحينما راجعت المعدل العام للتقدم والتراجع خلال فتره2004 و2006 وجدت ان مصر تحتل المرتبه الثانيه بين الدول الاسوا اداء بنقاط تراجع اجماليها-20 وذلك بعد اوغندا التي تراجعت بمقدار-23 نقطه, في حين ان افضل الدول اداء في هذا المسار هي بولندا التي حققت تقدما اجماليا قدره14 نقطه خلال هذه الفتره, والنتيجه التي يمكن الخروج بها من هذه الارقام ان مصر طوال هذه الفتره لم تستطع التفوق علي اي من جيرانها او منافسيها حول العالم بل تراجعت امام الجميع ولم يسبقها في التراجع سوي اوغندا.
المسار الثالث رصدت فيه الدول العشر الاقرب لمصر في الترتيب العام للتقرير وتحديدا الدول التي تحتل المراكز الخمسه السابقه عليها والخمسه اللاحقه لها بكل سنه, ولاحظت انه في عام2004 كانت مصر تقع ضمن مجموعه دول من بينها تركيا ورومانيا والمغرب وروسيا والمكسيك ولاتفيا, وفي عام2005 تراجعت واصبحت ضمن مجموعه دول اقل في القدرات والترتيب والقدره علي المنافسه مثل غانا والسفادور وباكستان وكازخستان واوروجواي, وفي عام2006 تكرر السيناريو ودخلت مصر دائره دول اقل في القدرات مثل صربيا وبيرو وفيتنام واوكرانيا وجواتيمالا, وبشكل عام يكشف هذا المسار عن ان ما يقال عن التحسين الذي يطرا علي صوره مصر عالميا ليست سوي تهاويم وخيالات يصنعها البعض من امثال قاده هيئه تنميه صناعه المعلومات, ثم ترتد اليهم كصدي صوت يصدقونه ويحاولون اقناع الجميع بتصديقه, اما الواقع الفعلي فهو اقرب لما يشير اليه التقرير.
المسار الرابع تتبعت من خلاله موقع مصر من حيث معدل التراجع الذي حدث لمكانتها في اطار قائمه التراجعات العامه داخل التقرير, وهنا وجدت ان اوضاع مصر في هذه النقطه عام2004 كانت جيده الي حد كبير, حيث كان معدل التراجع يقف عند-6, ولذلك جاءت مصر في المرتبه رقم27 من حيث معدل التراجع, بل كان معدل التراجع لديها اقل من اليابان التي سجلت معدل تراجع قدره-8 واكثر قليلا من الامارات التي سجلت معدل تراجع قدره-5, لكن في عام2006 اصبح الوضع غايه في السوء حيث دخلت مصر ضمن اكبر10 دول سجلت تراجعا علي مستوي العالم واحتلت المركز الثالث في القائمه بدلا من المركز27 عام2004 لان معدل تراجعها بلغ-14, وهو معدل لم يسبقها فيه سوي اوغندا وباكستان وتساوت معها موزمبيق والكاميرون, وهكذا بعد ان كان معدل التراجع يضعها عام2004 بجوار دول كاليابان والامارات والبرازيل ورومانيا, اصبحت في عام2006 بجوار موزمبيق والكاميرون.
المسار الخامس حاولت من خلاله التعرف علي الدول التي قفزت الي المراتب التي تخلت عنها مصر والدول التي اخذت مصر مكانتها بعدما تراجعت للوراء, وقد وجدت في هذا المسار ان رومانيا استطاعت ازاحه مصر عن موقعها الذي كانت تحتله في عام2004 واصبحت هي صاحبه المرتبه رقم57 عام2005, وتكرر السيناريو نفسه بعد ذلك, حيث استطاعت الارجنتين ازاحه مصر عن موقعها الذي كانت تحتله عام2005 واصبحت هي صاحبه المرتبه رقم63 عام2006, وفي المقابل نجد ان مصر في عام2005 حلت محل باكستان التي ازداد موقفها تدهورا, كما حلت محل المغرب في عام2006 واخذت مرتبتها رقم77 بعدما استطاعت المغرب تحسين اوضاعها والقفز لمرتبه اكثر تقدما, وهذا يعني ببساطه ان مصر خسرت مواقعها خلال هذه الفتره امام كل من رومانيا والارجنتين والمغرب.
تدلنا الارقام السابقه علي ان الفتره من2004 الي2006 هي بشكل عام فتره تراجع وتدهور مهين لمكانه مصر بالتقرير, وهي نفسها الفتره التي تقلدت فيها الحكومه الحاليه زمام المسئوليه ورفعت فيها شعار التحول لمجتمع المعلومات واستخدام تكنولوجيا المعلومات في التنميه.
يبقي القول ان مجمل ما جاء بالتقرير يشكل صدمه لكل متابع وغيور علي مستقبل البلاد, صدمه تدفع للذهن بعشرات الاسئله وعلامات الاستفهام: فهل يا تري نحن ننفق ونبذل جهدا اقل مما يجب, ام اننا نعمل وفق خطط رديئه عاجزه عن ملاحقه الاخرين ام نسير في الاتجاه الخطا؟ وما حقيقه الضجيج المستمر حول انجازات هذا القطاع وملياراته: هل هو غثاء سيل لا قيمه له ولا وزن لدي من يدرسون ويحللون اوضاعنا حول العالم ام ماذا يجري بالضبط؟.. في كل الاحوال نحن امام صدمه تفرض ان يقدم مسئولو هذا القطاع تفسيرا واضحا للتقهقر المريع لمكانه مصر علي هذا النحو.
ghietas@ahram0505.net
No comments:
Post a Comment