Wednesday, March 07, 2007

زيارة رئيس معامل بل العالمية للأبحاث‏ وحقيقة الدور العلمي في التنمية المعلوماتية

http://ait.ahram.org.eg/Index.asp?DID=9147&CurFN=MAKA0.HTM

حينما يأتي إلي مصر رئيس معامل بل للأبحاث ـ أكبر وأعرق جهة بحثية عالمية متخصصة في بحوث الاتصالات والتي يعود تاريخها إلي العالم الكبير جراهام بل مخترع التليفون ـ ثم لا يجد من يهتم به إعلاميا ويعرض الجميع حتي عن مجرد الجلوس معه من باب المجاملة‏,‏ فهذه كأس نتجرع مرارتها تحت وطأة موجة السفاهة والتسطيح السائدة في إعلامنا علي اختلاف تخصصاته ومشاربه‏,‏ وإذا جاء الرجل ولم يجد اهتماما يليق به من جانب الوزارة المعنية ومسئولي الشركات‏,‏ فهذا دليل إضافي علي أن معظم أنشطة هذا القطاع تندرج تحت بند التجارة والسمسرة لا التفكير والبحث والتصنيع‏,‏ وإذا جاء الرجل ولم ينتفض للقائه عشرات المئات من الباحثين والطلاب والأساتذة بكليات الهندسة والحاسبات المنتشرة سرطانيا بجامعاتنا‏,‏ فهذه فجيعة غير مفاجئة فقد سبقها خروجنا من قائمة الجامعات الأشكثر احتراما في العالم‏,‏ وإذا نظم للرجل لقاء في أفخم الفنادق لكي يتحدث إلي عقل مصر في المعلومات والاتصالات فلا يحضره سوي‏30‏ شخصا فقط معظمهم من موظفي الشركات‏,‏ فهذا دلالة علي استخفاف وهزل في موضع الجد لا يقبل به أحد‏,‏ وإذا اجتمع علي الرجل كل ذلك معا خلال يومين فقط فنحن بإزاء عار علمي قومي يضع علي شفاهنا عبارة فرانسوا ساجان التي تقول‏:‏ صباح الخير أيها الحزن‏.‏

لست في حاجة للإفاضة كثيرا في التعريف بمؤسسة معامل بل العالمية للبحوث والتطوير‏,‏ فمن رحمها الأول خرجت أول وسيلة اتصال عبر الأسلاك في العالم علي يد مؤسسها الأول جراهام بل مخترع التليفون‏,‏ وعلي أكتافها جري تطوير صناعة الاتصالات حول العالم خلال القرن الماضي وصيغت أبرز توجهاتها‏,‏ ومنها خرجت جوائز نوبل وغير نوبل‏,‏ والآن تتربع علي قمة المؤسسات البحثية التي تقفز بهذه الصناعة إلي المستقبل مستندة إلي فكرة أن البحث والتطوير القائم علي الإبداع هو فقط الذي يقود للنجاح‏,‏ ولذلك فإن من يجلس علي رأس هذه المؤسسة فهو في العادة واحد من صفوة العقول وألمعها في بحوث الاتصالات‏,‏ وحينما يقرر رئيس المؤسسة زيارة مصر لأول مرة في تاريخها فإن ذلك يعتبر حدثا يجب علي المجتمع الأكاديمي ومجتمع الأعمال والمجتمع الحكومي التعامل معه بشكل جدي‏.‏

وما حدث أنني تلقيت السبت قبل الماضي بيانا صحفيا جاء فيه أن الدكتور جونج كيم رئيس المؤسسة سوف يزور المنطقة خلال الفترة من‏25‏ إلي‏28‏ فبراير‏,‏ وأنه اختار دولتين فقط لزيارتهما هما السعودية ومصر‏,‏ وبالفعل قام الرجل بزيارة السعودية الأحد قبل الماضي وألقي محاضرة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا كان عنوانها وضع خريطة لمسار البحث‏-‏ ابتكار التجديد وذلك ضمن فعاليات ندوة موسعة نظمتها المدينة تحت عنوان خريطة الطريق للنجاح‏-‏ اتجاهات ورؤي التكنولوجيا لعالم جديد فيه الإنترنت أساس كل شيء‏,‏ وتابع المحاضرة مجموعة عريضة من المسئولين بالحكومة والأمراء ومسئولي الشركات والأساتذة الجامعيين والطلاب ورجال الصحافة‏.‏

وفي مصر كان من المخطط أن يقضي الرجل يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين بالقاهرة ويقوم خلالهما ببعض الأنشطة من بينها إلقاء محاضرة في اجتماع موسع مع ممثلي المجتمع الأكاديمي ومجتمع الأعمال والقطاع الحكومي حول‏'‏المنافسة والنمو الاقتصادي والابتكار والتجديد‏'‏ علي مستوي العالم‏,‏ مع التركيز علي مدي إمكانية بذر بذور الابتكار والتجديد في مصر من عدمه‏,‏ والدور الذي تلعبه الحكومة في تعزيز تلك التغييرات‏.‏

وعمليا كان الأمر في مصر مختلفا تماما عما وجده الرجل بالسعودية‏,‏ فحينما طلبت مقابلته تصورت أن الأمل ضعيف في الفوز ببضع دقائق من وقته نظرا لأن جدوله سيكون مشغولا‏,‏ لكنني فوجئت بأن هناك إعراضا وعدم اهتمام واضح بزيارة الرجل من قبل الجميع‏,‏ الإعلام ومجتمع الأعمال والجانب الحكومي‏,‏ وأذهلني أكثر أن الجهة المنظمة للقاء الموسع تواجه حرجا في تدبير عدد مناسب من الحاضرين الراغبين في الاستماع للرجل ومحاضرته المقترحة‏,‏ كما لم يتضح أن أحدا من المجتمع العلمي والأكاديمي ومن حزمة الاساتذة والمستشارين والجامعيين والخبراء الألمعيين الذين تتكدس بهم طرقات ومكاتب وزارة الاتصالات وما يسمي بهيئة بتنمية صناعة المعلومات والاتصالات قد استشعر في الرجل قيمة وطلب منه أي شيء‏.‏

خلاصة كل ذلك أنني حينما طلبت الموعد وجدت أجندة الرجل خالية‏,‏ فقابلته بالفعل في نفس يوم وصوله واستمعت إليه لأكثر من ساعة ونصف‏,‏ تحدث خلالها عن أشياء مذهلة مقبلة في عالم الاتصالات‏,‏ وعن الدور الذي يلعبه البحث والابتكار في عالم اليوم‏,‏ والكثير من النقاط التي سأعود لنشرها لاحقا‏.‏

في اليوم التالي للمقابلة قمت بزيارة خاطفة للأردن وعدت لأعرف أن اللقاء الموسع الذي خصص لكي يلقي فيه الرجل محاضرته لم يهتم به سوي حوالي‏30‏ شخصا كانت نسبة كبيرة منهم من موظفي الشركات‏,‏ وعلمت كذلك أن الرجل عرض للحاضرين أفكارا ومعلومات عن بعض التطورات والبحوث العلمية فائقة التقدم في مجال الاتصالات لكنها لم تجد آذانا مصغية لديهم‏,‏ وعلي الرغم من أن أغلب الحاضرين قالوا همسا وتصريحا أنهم لم يفهموا ما يقوله الرجل فإن أيا منهم لم يجشم نفسه عناء السؤال عن معني ومغزي ما سمعه ولم يفهمه‏,‏ ولولا وجود ثلاثة من العلماء الحقيقيين ـ من بينهم الدكتور عثمان لطفي أستاذ الاتصالات بهندسة القاهرة ـ لكان الرجل في حكم من يجري حوار طرشان‏,‏ والأدهي أن إحدي كبار الموظفات بالإدارة العليا للمصرية للاتصالات شكت من أن ما يجري تضييع للوقت لأنها لا تفهم ما يقال‏.‏

وقد تضمنت المحاضرة الإشارة إلي تطور علمي يتوقع أن يجد طريقه للأسواق قريبا في صورة تكنولوجيات تجارية سوف تترك آثارا مهمة علي صناعة الاتصالات‏,‏ وكان الدكتور كيم قد أعلن عنه في معرض تيليكوم وورلد الأخير الذي عقد بهونج كونج بالصين وحظي ساعتها باهتمام واسع‏,‏ لكن من حضروا محاضرة القاهرة لم يستوقفهم هذا التطور العلمي الكبير ولم يكلف أي منهم نفسه ولو عناء السؤال عنه‏,‏ الأمر الذي دعي الرجل لأن يعبر عن دهشته للمحيطين به بعد المحاضرة قائلا‏:‏ لماذا لم يسأل أحد عن هذا الموضوع كما حدث في كل العالم؟

ليس لدي وصف لما حدث مع هذا العالم الكبير سوي أنه عار علمي علي مجتمع الاتصالات والمعلومات في مصر‏,‏ وأنه دليل حي علي أننا أوغلنا في امتهان العلم وأصحابه وأننا نهبط علميا دون وجود حد أدني للهبوط‏,‏ ففي مرحلة سابقة تخلينا عن مسئوليتنا في إنتاج العلم‏,‏ ثم هبطنا أكثر وتخلينا عن الأخذ به‏,‏ ثم ازداد تدهورنا وفقدنا احترامنا له‏,‏ واليوم نهبط درجة جديدة ونسجل علنا بلا خجل أو وجل امتهاننا له حتي أصبح بين كبار مسئولينا من يصف حديث العلم بأنه مضيعة للوقت‏.‏

وفي تصوري أن ما حدث مع الدكتور كيم لا يمكن قراءته خارج السياق العام السائد في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر والفكر الذي يديره‏,‏ فنحن حينما نراجع الخطة القومية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الصادرة مع مطلع عام‏2000‏ وتعديلاتها اللاحقة حتي الآن والمنهجية التي تنفذ بها‏,‏ سنكتشف أنها لم تحدد دورا واضحا لمؤسسات البحث العلمي المحلية العاملة في هذا المجال‏,‏ وأن غالبية مشروعات وبرامج الخطة جري تصميمها وتنفيذها بطريقة جعلتها إما لا تحتاج كثيرا إلي جهود هذه المؤسسات أو تتجاهلها أو تخاصمها‏,‏ والغالبية الساحقة من الأنشطة والمشروعات الجارية علي الساحة تدور داخل مفهوم التجارة بالتكنولوجيا والتبشير بها داخل المجتمع و التخديم علي ناتج العقل العلمي الأجنبي أكثر من تنمية وإذكاء العقل العلمي المحلي وتفعيل دوره ليتصاعد مع الوقت قدر الإمكان ويسهم بفعالية في مختلف جوانب التنمية المعلوماتية‏.‏

بعبارة أخري يلقي هذا الفكر بالثقل الأساسي من التركيز والاهتمام علي ما يمكن أن نطلق عليه لوبي الاستيراد وتسليم المفتاح بما يضمه من أصحاب التوكيلات التجارية وكبار المستوردين والقائمين بأعمال الفراشة التكنولوجية محليا الذين لا يهتمون بأي تنمية حقيقية وطنية مستقلة‏,‏ ولا يعرفون لغة الصناعة ولا يحترمون العلم والبحث والابتكار والأصالة والقيمة الحقيقية النابعة من الاعتماد علي الذات وإعلاء العقل الوطني وتنمية همته‏,‏ حتي ولو بنقطة بحث تلتقط من بين كلمات باحث كبير يحل علينا ضيفا ليوم أو بعض يوم‏.‏

ومن المؤكد أنه في ظل مناخ يحتفي بالتجارة والسمسرة بأكثر مما يحتفي بالإبداع والتصنيع تكثر مثل هذه الممارسات التي تسمنا بالتخلف والعار في عصر العلم والمعرفة‏,‏ كما يصبح من المعتاد أن تصدر عن غالبية العاملين بالشركات والقطاع الأكاديمي وأعلي مستويات القطاع الحكومي تصرفات تستهين بالعلم والعلماء ولا تطيق الصبر علي الجهد المطلوب لتحصيل المعرفة وبناء العقول المبدعة‏.‏

ومثل هذه الأوضاع تجعل من مصر تربة صالحة فقط لأن تستقبل وتحتفي برجال التجارة والبيزنس الذين نلح في دعوتهم‏,‏ وحينما يأتون إلينا نحشد الآلاف لاستقبالهم ونصورهم للمواطنين علي أنهم أنصاف آلهة ورسل الرجل الأبيض الذين سينتشلوننا من الجهل والفقر والمرض كما حدث مع بيل جيتس أكثر من مرة‏,‏ وأجزم أن العلم والعلماء الحقيقيين لن يلقون المعاملة التي تليق بهم وتشرف البلاد إلا بعد رفع قبضة التجارة والسمسرة من حول عنق الوطن‏,‏ وساعتها سيصل الدم إلي عقله المبدع ويعود لقيمه الأصيلة في إنتاج العلم واحترامه والتي تشهد بها جدران معابد الفراعنة‏.‏


جمال محمد غيطاس
ghietas@ahram0505.net

7 comments:

Ahmed Hammad said...

good article to the degree of feeling pain.

ahm

h.o.s.a.m.r.e.d said...

I think in Egypt , This is the feeling when you know the real things , not the stupid decorations

Unknown said...

It is a shame. But actually we did not know any thing about the visit itself.

Anonymous said...

this is truly painfull, but i guess that what the govenment wants after all, they want us to be idiots

Anonymous said...

yb2a enta akeed akeed fe MASR

Unknown said...

I think it is apparent that our government really wants us idiots as one of the comments said, and the proof is that there was no news about that visit or not even a trial to invite at least Communication students in our universities.
حسبنا الله و نعم الوكيل

Anonymous said...

this a proof for our Policies for science and tecnology