Friday, December 08, 2006

الوجه المعلوماتي لنظام اعتماد واقرار صلاحيه المستشفيات والطواقم الطبي

من اخطر نقاط الضعف التي تعاني منها خدمات الرعايه الصحيه في مصر ان مكونات القطاع الصحي من الوحدات الصحيه الريفيه والعيادات الخاصه وحتي المستشفيات العامه والتخصصيه, ومن عمال النظافه بالمستشفيات وحتي كبار الاطباء والمديرين جميعهم يحتاج لمسوغ واحد ولمره واحده فقط ليسمح له بتقديم خدمات الرعايه الصحيه, وهذا المسوغ بالنسبه للافراد هو الموهل الدراسي او العلمي الذي قد يتوقف عند البكالوريوس او يتدرج لمستويات اعلي,

وبالنسبه للموسسات هو الترخيص بالعمل, وبعدها ينطلق الجميع في تقديم الرعايه الصحيه للمواطنين بمنتهي الرحرحه ان جاز التعبير, دون الخضوع مره اخري لتقييمات جاده وصارمه تعيد التعرف علي مستوي صلاحيتهم لتقديم الخدمه, ولذلك تكاد الذاكره الصحيه المصريه تخلو من اي معلومه تقول ان هناك مستشفي او عياده او طبيبا او ممرضا او اخصائي معمل او صيدليا استبعد من وظيفته او منع من ممارسه عمل ما او لم يسمح له بتقديم خدمه صحيه معينه لاسباب تتعلق بصلاحيته ومدي جدارته في تقديم هذه الخدمه, وكان المكتوب علي جبين البلاد والعباد ان يبدا هولاء جميعا العمل ثم يهناون به حتي النهايه دون مراجعه او تقييم, وهو وضع يوكد ان نظام الاعتماد واقرار الصلاحيه للموسسات الصحيه والطواقم الطبيه السائد عالميا والقائم علي اكتاف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يزال حتي الان فريضه غائبه عن القطاع الصحي المصري باكمله.



ونظام الاعتماد واقرار الصلاحيه عباره عن حزمه من الادوات والمنهجيات المتخصصه في المتابعه والتحليل والتقييم والتحليل المستمر لاعمال الموسسات الصحيه علي اختلاف مستوياتها ونوعياتها, ولاداء الافراد القائمين علي تقديم الرعايه الصحيه علي اختلاف تخصصاتهم ودرجاتهم ومواقعهم سواء داخل الموسسات او خارجها بالعيادات الخاصه, وتقوم بتفعيلها هيئات مستقله مهمتها تقييم وتحليل الواقع الفعلي لخدمات الرعايه الصحيه, لمعرفه ما اذا كان الشخص او الموسسه موهلا وصالحا لتقديم خدمات الرعايه الصحيه ام لا, واذا كان موهلا فالي اي درجه, وهل يقدم خدمه ممتازه ام جيده ام متوسطه, بسيطه ام معقده ومركبه وتخصصيه, واذا كان موهلا وصالحا لها في توقيت ما فهل حافظ علي هذه الصلاحيه بعد عام او عامين مثلا ام تدهور ادائه.

وعلي ضوء التحليلات تصدر هذه الهيئات قرارات تعتمد صلاحيه الموسسات الصحيه والعاملين في المجال الصحي وتقر بانهم موهلون وقادرون علي تقديم الخدمات الصحيه للمواطنين بشكل مناسب وامن وفعال ام لا, او تصدر قرارات تسحب الاعتراف ولا تعتمدهم كموفرين للخدمه او تخفض الاعتراف بهم من ممتاز الي جيد او متوسط او تضع قيودا علي تقديمهم لخدمات صحيه بعينها, ويعد هذا النظام هو المسار الرابع في المسارات الثمانيه التي اشرت اليها من قبل ومطلوب المضي فيها لاعاده هيكله للقطاع الصحي ليعمل بمنهج الاداره القائمه علي المعلومات, وتناولت منها حتي الان مسارات الجوده والتكلفه وتطوير التامين الصحي.

وهناك العديد من المتطلبات التي يحتاجها نظام الاعتماد واقرار الصلاحيه لكي يعمل بفعاليه داخل القطاع الصحي ومنها:

متطلبات سياسيه:وتتمثل في وجود حزمه من السياسات الصحيه التي يتغير بموجبها دور ومسئوليه وزاره الصحه من كونها المالك والمشغل والمسئول عن اداره الموسسات الطبيه وتقييم ادائها الي وزاره تعني بوضع السياسات الصحيه وتراقب مستويات الاداء والتنفيذ بالموسسات الصحيه ومدي مواءمتها للمواصفات القياسيه دون ان تديرها, بمعني اخر سياسات تفرض فصل دور مودي الخدمه عن دور ممول الخدمه, لانه ليس من المنطقي ان يكون مودي الخدمه هو المسئول عن تقييمها, ووضع سياسات تحفز المستشفيات علي الاستثمار في تبني خطط التحول للاعتماد واقرار الصلاحيه, كما يتعين علي وزاره الصحه بالتعاون مع الجامعات والتعليم العالي وضع سياسات مناسبه فيما يتعلق بالتعليم الطبي بحيث تتضمن مناهج التدريس بكليات الطب والتمريض مقررات خاصه بالمواصفات القياسيه للاعتماد واقرار الصلاحيه, وعلي التوازي مع ذلك يتم انشاء جهاز لتنظيم العمل الصحي, يضع المواصفات القياسيه لاداء الخدمه والسياسات الصحيه ويراقب اسلوب تقديمها للمواطنين, ويقوم باجراءات منح الاعتماد واقرار الصلاحيه او سحبها, مما يترتب عليه تحسن كبير في جوده خدمات الرعايه الصحيه وخفض معدلات الاخطاء الطبيه

وخفض التكلفه.
متطلبات تشريعيه: حيث يتعين اصدار تشريعات تلزم كل من يقوم بتقديم خدمه طبيه سواء اشخاص او موسسات بالحصول كل فتره زمنيه محدده علي الحد الادني المناسب من مستويات الاعتماد والاقرار بالصلاحيه لتقديم الخدمه الطبيه, كما تلزمهم بتوثيق جميع اجراءات هذه الخدمه وما يتعلق بها من بيانات ومعلومات في السجل الصحي للمريض, لضمان تقديم خدمات صحيه سليمه وحديثه للمواطنين وحث الموسسات الصحيه والاطباء علي تحديث مستواهم ومهاراتهم باستمرار.

متطلبات اجرائيه وتنفيذيه: وتتمثل في المنهجيات والادوات المتبعه في التنفيذ العملي للاعتماد واقرار الصلاحيه, منها مثلا المنهجيه التي تنفذ عبر سلسله من الخطوات تبدا بالقيام بتشخيص وتحليل تفصيلي للاداء داخل المستشفي او الموسسه الصحيه, وذلك فيما يتعلق بالجوده في العمل اليومي والتحسين الذي يطرا عليها, واجراءات الجوده لكل عمليه او نشاط بالموسسه الصحيه, وموشرات الجوده الرئيسيه للمستشفي او الموسسه الصحيه ككل, وكيفيه التعامل مع السجلات الطبيه والرعايه الصحيه المتنقله والسيطره علي العدوي والتداخلات الدوائيه والاداره العلاجيه واداره الصيدليات واداره الانتاجيه وغيرها, ومدي التركيز علي سلامه المريض, وتوافر نظام انذار للاطباء عند احتمال حدوث خطا, وكيفيه دعم حقوق مستحقي الرعايه الصحيه وراي المرضي في اسلوب التعامل معهم ومدي الاحترام الذي يقدم لهم ولذويهم وتخفيف الامهم وكيفيه توعيتهم بحالتهم, وخطط تقويه ورفع كفاءه الكوادر البشريه المتعامله مع الخدمات الصحيه وقدراتهم, ومدي التكامل بين الخدمات التي تودي الي المريض.

والخطوه التاليه استخدام نتائج التشخيص والتحليل في وضع سياسات للتكاليف والجوده والاداره, ثم تطبيق نظم الرعايه المتكامله ثم القيام بعمليه مراجعه شامله استعدادا لعمليه الاعتماد واقرار الصلاحيه, وبناء علي المراجعه يتم التعرف علي السلبيات ونقاط الضعف القائمه وتلافيها, ثم القيام بعمليه مراجعه جديده للوقوف علي التحسن الذي طرا علي الاداء بعد اجراءات تصحيح المسار, ويمكن اعاده الخطوتين الاخيرتين مرارا الي ان تصبح الموسسه الصحيه جديره بالاعتماد والاقرار بالصلاحيه, وعاده ما يستغرق هذا الامر فتره تتراوح بين سنه وثلاث سنوات طبقا لمستوي الاداء عند بدء عمليه الاعتماد, وبما ان عمليه الاعتماد واقرار الصلاحيه هي عمليه دوريه مستمره ولا تجري مره واحده فقط, فان هذه المنهجيه تجعل الموسسه الصحيه او افراد المجتمع الطبي في حاله مراجعه دائمه وتحسين مستمر لاوضاعهم ومهاراتهم ومستوي ادائهم.

الدور المعلوماتي
نصل هنا الي السوال المعتاد والمحوري في هذه المناقشه وهو: اين يكمن الدور المعلوماتي في نظام الاعتماد واقرار الصلاحيه؟

يتميز نظام الاعتماد واقرار الصلاحيه بطبيعه خاصه تتمثل في ان فكرته الاساسيه ومتطلبات انشائه وتشغيله تجعله في النهايه عباره عن سلسله من عمليات المضاهاه والمقارنات المستمره بين نوعين من المعلومات الاول عباره عن معلومات مدققه ومنظمه وموثوق بها ترصد طبيعه وسلامه ومدي فعاليه خدمات الرعايه الطبيه المقدمه علي ارض الواقع بالمستشفيات والعيادات والوحدات الصحيه وغيرها, والثاني هو معلومات وبيانات مفهرسه ومنظمه ومعده سلفا في صوره معياريه وقياسيه معترف بها دوليا كاداه لتقييم وتحليل هذا الواقع والحكم علي مستواه.

هذه الطبيعه الخاصه لنظام الاعتماد واقرار الصلاحيه هي التي تجعل من المحتم ان تكون له واجهه معلوماتيه في حاله تفاعل تام مع سائر نظم المعلومات الاخري المطلوب انشاوها ونشرها في شتي مكونات القطاع الصحي, كمجموعه نظم المعلومات المطلوبه لضمان الجوده, ومجموعه نظم المعلومات المطلوبه لضبط التكلفه, ومجموعه نظم التامين الصحي ونظم بناء وتفعيل السجلات الصحيه للمواطنين وغيرها,

والسبب في وجود هذه الحتميه يعود الي ان اي نظام للاعتماد واقرار الصلاحيه لن تكون له قيمه اذا لم يكن لدي المريض سجل صحي تدار معلوماته بشكل يوثق به, ويعتمد عليه لانه البذره الاساسيه الاولي للحكم علي اداء اي طرف من اطراف المجتمع الطبي, بدءا من مسئولي نظافه دورات المياه بالمستشفي وانتهاء باعلي مستوي بالكادر الطبي, ولن يكون لهذا النظام قيمه اذا لم يكن لدي المستشفي نظام معلوماتي ناضج راسخ متكامل يوثق جميع اجراءاته وافعال القائمين به بكل الصدق والشفافيه,

ولن ينجح النظام اذا لم يكن لدي جميع افراد المجتمع الطبي علي اختلاف تخصصاتهم نظام يسجل اداءهم وجميع ممارساتهم ويرصد مستوي مهاراتهم بموضوعيه كامله وبامانه وتكامل ودقه, وسيفشل هذا النظام حتما اذا لم يكن لدي الجهه المسئوله عن القيام بعمليات الاعتماد واقرار الصلاحيه بنيه معلوماتيه اساسيه مزوده بنظم وشبكات معلومات وكوادر مناسبه وذات انتشار جغرافي يجعلها قادره علي تتبع ورصد وتحليل المعلومات الخاصه بمختلف المرضي والمستشفيات وافراد المجتمع الطبي, ثم القيام بعمليات المضاهاه والمقارنات المطلوبه بطريقه اليه وسريعه وموضوعيه وفي توقيتاتها المناسبه, وبحيث تتحقق فيها اعلي درجات النضج والفعاليه والشفافيه التي تجعلها جديره بحيازه ثقه واحترام جميع اطراف المجتمع الطبي علاوه علي المرضي والمجتمع ككل درءا للشبهات, حتي لا يتحول نظام الاعتماد واقرار الصلاحيه من اليه لضبط مستوي الاداء الي منفذ جديد لتوليد نوع جديد من الفساد العرضي او المنظم, يضاف الي ما نعانيه الان من هموم ومعاناه مع الموسسات الصحيه بما فيها الوزاره نفسها.


جمال محمد غيطاس
ghietas@ahram0505.net


No comments: