Saturday, May 16, 2009

نقاط القوه والضعف بين مصر ومنافسيها في تكنولوجيا المعلومات‏2‏ ‏2‏

نشر في الأهرام يوم 14 ابريل 2009

هل هي كارثه ان تحتل الامارات المركز‏27‏ وقطر‏29‏ والبحرين‏37‏ وتونس‏38‏ في تقرير تكنولوجيا المعلومات العالمي‏,‏ ثم تاتي مصر في المرتبه‏76‏ من التقرير؟ اعتقادي ان مراكز هذه الدول والعديد غيرها ليس فيه كارثه او يحمل اي علامه قلق بالنسبه لمصر‏,‏ وانما القلق الفعلي ينبع من ان الكيان الصهيوني اسرائيل اقتنص المركز‏25,‏ وان جنوب افريقيا تحتل المركز‏52‏ والهند المركز‏54‏ ورومانيا المركز‏58‏ والبرازيل ال‏59‏ وتركيا ال‏61‏ وبولندا ال‏59,‏ وذلك لان الكيان الصهيوني هو الخصم الاول الذي يصارعنا علي الوجود‏,‏ وباقي الدول المذكوره هي المنافس الابرز الذي ينازعنا علي مزيد من فرص الاستثمار والتشغيل‏,‏ اما باقي دول العالم الوارده في التقرير من عرب وعجم فهي خارج البوره الاساسيه لصراعنا الحضاري وتنافسنا الاقتصادي في تكنولوجيا المعلومات‏,‏ ولذلك يجب الا نتخوف كثيرا مما تحققه سواء كانت مصر سابقه عليها او متخلفه عنها في الترتيب‏.‏

للتوضيح والتذكير اشير مجددا الي ما قلته الاسبوع الماضي من ان اوضاع صناعه تكنولوجيا المعلومات في مصر ومعها مجتمع المعلومات بدرجه او باخري قد غادرت منطقه القاع التي تضم دولا تتسم اوضاعها بالركود وبطء الحركه والخمود شبه التام‏,‏ لكنها لم تصل بعد الي منطقه القمه الناضجه المستقره التي تضم مجموعه الدول الاعلي تقدما ورسوخا في التحول الي مجتمع المعلومات‏,‏ ووجود مصر في هذه المنطقه يدفعنا الي تغيير طريقه قراءتنا لهذا التقرير او غيره من التقارير المشابهه‏,‏ لان الاهم لم يعد المرتبه التي تحققها مصر في الترتيب العام وهل تخلفت ام تقدمت‏,‏ ولكن الاهم الان ان نتعرف علي نقاط الضعف والقوه بيننا وبين الاخرين الذين ينافسوننا او يخاصموننا او يصارعوننا علي المستقبل‏,‏ فنحن عمليا في خضم منافسه وخصومه تدور رحاها ضمن الصراع الحضاري والوجودي الذي فرض علي مصر ان تخوضه بحكم دورها ومكانتها وقدراتها وتاريخها ومسئولياتها الوطنيه والقوميه والدينيه وهذه الخصومه مع الكيان الصهيوني بالتحديد‏,‏ ومنافسه تدور رحاها ضمن الصراع الاقتصادي الذي تفرضه متطلبات خطط التنميه وطموحات مصر في تشغيل العماله وجذب الاستثمار وتعظيم العائدات من وراء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات‏,‏ سواء باعتبارها صناعه قائمه بذاتها او باعتبارها اداه تساعد في التنميه الشامله‏,‏ اضافه لاوضاع سوق تكنولوجيا المعلومات حول العالم‏,‏ وهذه المنافسه مع مجموعه من الدول تمثل كلا من الهند وتركيا وبولندا ورومانيا والبرازيل والفلبين واوكرانيا وروسيا محورها الاساسي‏,‏ لكونها تتسابق علي نفس الفرص التي اخترنا لانفسنا ان نبحث عنها‏,‏ وهي جذب استثمارات في صناعه التعهيد والمشاركات طويله المدي مع الشركات العالميه العامله في هذا المجال‏,‏و انطلاقا من ذلك تناولت اوضاعنا مقارنه بالكيان الصهيوني الاسبوع الماضي‏,‏ واليوم اشير في عجاله الي الوضع المقارن مع هذه الدول التي تتنافس معنا علي نفس الفرص‏.‏

اقول بدايه ان ولا يجب النظر الي التقرير بمعزل عن الاستراتيجيه المعلنه من قبل مصر فيما يتعلق ببناء مجتمع المعلومات عموما وصناعه تكنولوجيا المعلومات بصفه خاصه‏,‏ وما دمنا نتحدث اليوم عن المنافسه في ساحه الاقتصاد‏,‏ فان الامر يكاد يكون منصبا علي استراتيجيه بناء صناعه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المحليه والقائمه بالاساس علي تعظيم العائد من التصدير وفتح فرص لتشغيل العماله من خلال الاستثمار في خدمات تكنولوجيا المعلومات وبشكل اساسي في صناعه التعهيد‏.‏

واذا ما راجعنا اوضاع مصر في التقرير استنادا الي هذه الاستراتيجيه سنجد ان نطاق منافسيها يوجد بشكل اساسي في مجموعه الثلاثين دوله التي تحتل المراكز من‏50‏ الي‏80‏ تقريبا‏,‏ وهي دول لم تتغير كثيرا في تقرير‏2009‏ مقارنه بتقرير‏2008,‏ فمن بين الثلاثين دوله ظهرت سبع دول فقط في تقرير‏2009‏ ولم تكن موجوده في تقرير‏2008,‏ بينما اختفت ست دول من تقرير‏2009‏ علي الرغم من انها كانت موجوده في تقرير‏2008,‏ اي ان‏23‏ دوله من الثلاثين علي الاقل مستمره في هذا النطاق التنافسي مع مصر بصوره او باخري‏.‏

ومن اهم الدول التي يضمها هذا النطاق الهند ورومانيا والبرازيل وبولندا والفلبيين واوكرانيا وروسيا وجنوب افريقيا واذربيجان وتركيا‏,‏ وهي مجموعه الدول التي لديها استراتيجيات وخطط طموحه وقويه وواضحه في مجال التعهيد وخدمات تكنولوجيا المعلومات عموما‏,‏ والبعض منها يقدم نفسه للسوق الدوليه بصوره تقترب كثيرا من الصوره التي تقدم بها مصر نفسها‏,‏ بل ويكاد يتنافس علي نفس الزبائن ونفس رووس الاموال الباحثه عن مناطق للاستثمار في التعهيد وغيرها من انماط صناعه خدمات تكنولوجيا المعلومات‏,‏ ومن الامور الجيده بالنسبه لمصر في هذا المجال ان التقرير خصص جزءا لصناعه التعهيد في مصر باعتبارها علي بدايه طريق النجاح ووصف مصر بانها من افضل خمس دول جاذبه لخدمات التعهيد‏.‏

وبمراجعه قوائم التقرير اتضح ان الدرجات التي حصلت عليها الدول الموجوده في هذا النطاق التنافسي تراوحت عام‏2008‏ بين‏4.05‏ و‏3.58‏ درجه من‏7,‏ بمتوسط عام‏3.77,‏ وتراوحت عام‏2009‏ بين‏4.15‏ و‏3.58‏ درجه من‏7‏ بمتوسط عام‏3.85,‏ وهو مستوي لا يختلف كثيرا عن الدرجات التي حققتها مصر‏,‏ والتي بلغت‏3.76‏ درجه في‏2009,‏ و‏3.74‏ في‏2008,‏ بمتوسط‏3.75‏ درجه‏,‏ ودلاله ذلك اننا نواجه منافسه شديده‏,‏ وان الانتقال من اسفل لاعلي داخل القائمه سريع ويتحقق بكسور من الواحد الصحيح‏,‏ مما يفرض علينا دراسه اوضاع هذه الدول بعمق ومتابعتها اولا باول‏,‏ وان كان ما ينشر من تقارير وبحوث عالميه في هذا الصدد يدفعنا الي القول بان الدول الاحري بالدراسه والمتابعه عن كثب هي الصين والهند وتركيا ورومانيا وبولندا والبرازيل واوكرانيا والاتحاد الروسي وبولندا والفلبين من بين الدول الثلاثين‏.‏

والمعروف ان التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات لا يتوقف عند ترتيب الدول في مراكز تصاعديه من رقم واحد الي‏134‏ مركزا فحسب‏,‏ بل يعطي لكل دوله درجه تتراوح بين صفر و‏7,‏ وكلما اقتربت الدرجه من‏7‏ كان ذلك دليلا علي حدوث تقدم وتنميه في الوضع الاجمالي لتكنولوجيا المعلومات بالدوله‏,‏ وكلما كان الارتفاع في الدرجه كبيرا تبوات الدوله مركزا متقدما في الترتيب العام‏.‏

وما يلفت النظر في هذا الصدد ان الدرجه التي حصلت عليها مصر في تقرير‏2009‏ كانت اكبر من الدرجه التي حصلت عليها في تقرير‏2008,‏ ففي عام‏2008‏ كانت الدرجه التي حصلت عليها مصر هي‏3.74‏ من‏7,‏ وفي عام‏2009‏ حصلت علي‏3.76‏ من‏7,‏ اي حققت مصر تحسنا قدره‏0.02‏ درجه‏,‏ وعلي الرغم من زياده الدرجه فان مصر تراجعت في الترتيب العام من المركز‏63‏ في تقرير عام‏2008‏ الي المركز‏76‏ في تقرير‏2009‏ اي خسرت‏13‏ مركزا‏.‏

هنا قد يتساءل البعض‏:‏ كيف نحقق تحسنا طفيفا في الدرجه ونتقهقر بقوه في الترتيب العام؟

من يراجع التقرير يكتشف بسهوله ان الامر يتعلق بطبيعه اداء المنافسين وقدراتهم‏,‏ فالتقرير يكشف عن وجود نماذج عديده من اداء المنافسين لمصر‏,‏ فهناك منافسون حسنوا درجاتهم بمعدل اكبر مما فعلناه نحن وقفزوا لاعلي في الترتيب العام‏,‏ وهناك منافسون حسنوا درجاتهم بافضل مما فعلناه نحن وحافظوا علي مراكزهم كما هي‏,‏ وهناك منافسون خسروا جزءا من درجاتهم لكنهم لم يسقطوا في هاويه التقرير او يتراجعوا بعشرات المراكز كما حدث لنا وذلك لان ادائهم من الاصل مرتفع بنسبه كبيره‏,‏ والنموذج الاول تمثله دوله مثل رومانيا التي حسنت درجاتها من‏3.86‏ درجه في‏2008‏ الي‏3.97‏ درجه في‏2009‏ محققه فارقا قدره‏0.11‏ درجه ضمنت لها التقدم ثلاثه مراكز‏,‏ من المركز‏61‏ عام‏2008‏ الي المركز‏58‏ عام‏2009,‏ والنموذج الثاني تجسده دوله مثل البرازيل التي حسنت درجاتها من‏3.87‏ الي‏3.94‏ درجه‏,‏ محققه فارقا قدره‏0.7‏ درجه‏,‏ بيد ان هذا التقدم لم يضمن لها سوي الاحتفاظ بمركزها كما هو داخل التقرير حيث ظلت في المرتبه‏59‏ عامي‏2009‏ و‏2008,‏ والنموذج الثالث يتجسد بوضوح في الهند التي تراجعت درجتها من‏4.06‏ درجه عام‏2008‏ الي‏4.03‏ عام‏2009,‏ بفارق‏0.03‏ درجه‏,‏ ومع
ذلك تراجعت اربعه مراكز فقط في الترتيب العام لتحتل المركز‏54‏ في‏2009‏ بعد ان كانت في المركز‏50‏ في‏2008,‏ ودلاله ذلك ان اداء بعض منافسينا كان اسرع واكبر واكثر فاعليه من ادائنا حتي بالنسبه لمن تراجع اداوهم تراجعا طفيفا عما حققوه من قبل‏,‏ ومن ثم ليس كافيا ان نبذل جهدا ونحقق نموا او حتي تنميه هنا او هناك ثم نكتفي بان نقدم ذلك علي انه انجاز‏,‏ بل لابد ان نربط الانجاز المتحقق باداء المنافسين وندخله كمعيار من معايير تقييم ما يتم القيام به‏,‏ بعباره اخري حينما نقول اننا جذبنا عده ملايين من الدولارات او وفرنا بضعه الاف من فرص العمل‏,‏ لابد ان نقدم ذلك في سياق ياخذ في اعتباره ما جذبه المنافسون من استثمارات وما حصلوا عليه من فرص عمل او حققوه من تنميه‏,‏ حتي يكون الحكم علي ما تحقق صائبا وموضوعيا وفي سياقه الصحيح محليا ودوليا‏,‏ والنتيجه التي يمكن الخروج بها من هذه النقطه ان اداء مصر خلال‏2008‏ حقق اضافه ولا شك‏,‏ لكنها بمعايير المنافسه اقل مما كان يتعين تحقيقه‏,‏ وان الجهد المبذول يتعين ان يزداد ويصل الي المستوي الذي يجعله ندا للمنافسين‏,‏ وهو ما يجلعنا نقول مجددا ان الامر لم يعد مرتبه في التقرير بشكل عام‏,‏ بل اصبح مقارنه لنقاط الضعف والقوه مع الخصوم والمنافسين‏.‏


جمال محمد غيطاس

No comments: