Monday, May 19, 2008

اله التكنولوجيا واله القمع وجها لوجه‏..‏ ما هي النتيجه؟

بطول التاريخ وعرضه‏..‏ كان هناك دائما تصادم مختلف الحده والعنف بين دعاه الحريه والديمقراطيه من جهه واله الاستبداد والقمع لدي نظم الحكم القائمه من جهه اخري‏,‏ لان وجود كل طرف منهما يتعزز ويتسع علي حساب الاخر‏,‏ فكلما سادت الديقراطيه تضاءل نفوذ ونطاق اله القمع والاستبداد والعكس‏,‏ وجريا علي ذلك فانه بعدما اتسع تاثير ثوره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووصل الي حلبه السياسه والحكم وبرزت ظاهره‏'‏ الديمقراطيه الرقميه‏'‏ كان لابد ان تتلاقي اله القمع وجها لوجه مع اله التكنولوجيا ثم تتصادمان‏,‏ لان اله التكنولوجيا جعلت الناس تمارس الديمقراطيه بوسائل جديده لم تعتدها اله القمع وخارج سيطرتها وقبضتها التقليديه‏,‏ والمتابع للصدامات الجاريه بين هاتين الالتين يلحظ بسهوله ان نتائجها تتنوع وتختلف من نظام سياسي لاخر ومن دوله لاخري ومن وقت لاخر ومن قضيه لاخري‏,‏ تماما كما كان الحال في الماضي حينما كانت نتائج الصدام بين الديمقراطيه التقليديه مع اله القمع تختلف وتتنوع من نظام سياسي لاخر ومن دوله لاخري‏.‏

اذا كان لكل مجتمع خصوصيته وتفرده في حراكه السياسي والاجتماعي الناجم عن التفاعل مع منجزات ثوره الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فان ابرز ما يميز حاله المجتمعات العربيه في هذا الصدد ان هناك جوله من الصراع المكشوف بين اله التكنولوجيا الغازيه التي تعصف بهذه المجتمعات غير المهياه بما يكفي لاستيعابها وهضمها وتوظيفها‏,‏ واله القمع المتجذره فيها ولا تطيق ما تحمله اله التكنولوجيا من امكانات جديده في حريه التعبير وممارسه الديمقراطيه‏.‏

وحينما نقترب من المشهد الحاصل علي الساحه نجد ان المجتمعات العربيه منقسمه الي ثلاث شرائح اجتماعيه‏:‏

الاولي هي الاكبر عددا والاكثر انتشارا‏,‏ وتضم عشرات وربما مئات الملايين من البشر الذين يئنون تحت وطاه الفجوه الرقميه بما فيها من تضاول وقصور في معدلات انتشار وتملك الحاسبات والانترنت والتليفونات والمحتوي المحلي علي الانترنت وتدهور التعليم وانتشار الاميه وافتقار مهارات التعامل مع التكنولوجيا عموما‏,‏ حتي ان الكثير منهم لم يجر حتي الان مكالمه تليفونيه واحده في حياته‏,‏ مما يجعلهم خارج القضيه اصلا‏.‏

والثانيه شريحه قويه ونافذه لكنها لاهيه ولا يعنيها من ثوره المعلومات سوي استهلاك منجزاتها بنهم‏,‏ ومن ثم فهي تعب من منتجات هذه الثوره وخدماتها باقصي ما تستطيع لاشباع رغبات لا علاقه لها بحراك اجتماعي سياسي رشيد يقود لمزيد من التنميه والنضج المجتمعي‏,‏ بل تغرق حتي الثماله في سلوكيات وممارسات استهلاكيه سطحيه منفلته اجتماعيا واخلاقيا احيانا‏.‏

والثالثه شريحه لا تزال اضيق نطاقا من الاولي والثانيه‏,‏ لكنها تتسم بروح المبادره والابداع والوعي بطبيعه وحدود تاثير هذه الثوره وما تنجزه من تغييرات عميقه تتغلغل في جسد المجتمعات الحديثه‏,‏ كما تتسم بالجراه في ممارسه حقها الطبيعي في توظيف هذه الثوره ومنجزاتها توظيفا سياسيا وديمقراطيا حتي وان ادي الامر لتضحيات مريره في كثير من الاحيان‏,‏ تبدا بالحرمان من التعبير عن الراي وقد تنتهي بالسجن والتعذيب‏,‏ ويمكننا القول ان هذه الشريحه هي بيت القصيد‏,‏ لكونها الطرف الذي يحاول الامساك باله التكنولوجيا ليصارع بها اله القمع‏.‏

لقد تلقفت هذه الشريحه من المجتمع العربي مزايا الانترنت كوسيله لممارسه الحريات وانتزاع حق التعبير عن الراي‏,‏ فشهدت السنوات الاخيره ما يشبه الانفجار في ساحات الدردشه ومنتديات النقاش ومواقع التعبير عن الراي ومجموعات الاخبار والقوائم البريديه الالكترونيه‏,‏ والمواقع المجانيه ومواقع المدونين العرب‏,‏ وشهدنا الالاف ممن يكتفون بالمشاركه براي سريع او معلومه مقتضبه او التعليق الموجز علي راي مخالف او متوافق مع رواهم‏,‏ وممن يفضلون توصيل افكارهم كامله معمقه حسبما يريدون باليه تجعلهم هم انفسهم محور المناقشه والمسئول عنها‏,‏ وتجعل من ارائهم ومواقفهم قضيه في حد ذاتها يتحاور حولها الاخرون‏,‏ بعباره اخري انخرط المواطن العادي جنبا الي جنب مع الفئه التي تمثل الصف الاول في النشاط السياسي الاكثر حيويه وحركه واستقلاليه واعتدادا بالراي وربما صداما مع السلطه‏.‏

في المقابل لم يكن سهلا علي اله القمع العربيه بكل سطوتها ان تمرر او تبتلع تحركات وافعال هذه الشريحه الواسعه من المواطنين الذين استخدموا فيها اله التكنولوجيا علي هذا النحو‏,‏ ولم يعجبها ان يستخدموا هذه الاداه ويقفزون فوق ما وضعته من حواجز كممت الافواه وكتمت انفاس وسائل الاعلام والتعبير التقليديه ورسمت اطارا غليظا دفعت الجميع السير والحركه بداخله‏,‏ ففي بعض الاحيان غضت الطرف علي مضض‏,‏ وفي احيان اخري لم تتوان عن الاندفاع قدر استطاعتها لتكبح جماح هذه الاداه ومستخدميها‏,‏ مخلفه وراءها مواقع محجوبه او مدمره‏,‏ واشخاص اما طوردوا او اودعوا السجون والمعتقلات بمحاكمه او بغير محاكمه في وقائع تعج بها الكثير من التقارير الدوليه التي ترصد اوضاع حريه التعبير عبر الانترنت في العالم‏.‏

ان الديمقراطيه كفكره او نظام تمنح الشعوب والمجتمعات حريه التعبير عن الراي والمشاركه في اتخاذ القرار والفعاليه في المحاسبه وتصحيح الاخطاء والتقويم الحقيقي للاداء وتداول السلطه بناء علي اراده الجماهير عبر اليات محدده تضم اليه التصويت والانتخابات‏,‏ واليه التعبير عن الراي والحوار والمناقشات واستطلاعات الراي‏,‏ واليه التنظيم والفعل السياسي الميداني‏,‏ وبالنسبه للمجتمعات العربيه فان اقصي ما تسمح به الظروف هو حريه التعبير احيانا‏,‏ اما المشاركه في اتخاذ القرار والفعاليه في المحاسبه والتقويم وتداول السلطه فجميعها حقوق غائبه او محجوبه عن الناس بالعالم العربي‏.‏

وقد كان من الطبيعي ان يترتب علي ذلك ان تميل موازين القوي بين اله التكنولوجيا واله القمع ناحيه اله القمع‏,‏ وبالتبعيه فان الحراك السياسي الاجتماعي المستند الي اله التكنولوجيا بالعالم العربي لم يتطور بالدرجه التي تستخدم فيها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات علي نطاق واسع لتصنع تحركا جماهيريا ومظاهرات حاشده متصله وعامه تنتهي باقاله رئيس الجمهوريه مثلما حدث بالفلبين الذي لعبت الرسائل النصيه القصيره عبر المحمول دورا مهما في اداره وتفعيل المظاهرات التي انتهت باقالته‏,‏ لان اله القمع بالبلدان العربيه لا تزال تجعل التظاهر اما ممنوع كليه او غير مسموح به الا في نطاق ضيق للغايه لا يمكن ان يقيل شرطي من المستويات الدنيا‏.‏

كما ان هذا الحراك لم يتطور وينضج بالدرجه التي تستخدم فيها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات علي نطاق واسع لتصنع تحركا جماهيريا يغير نتيجه الانتخابات العامه كما حدث في اسبانيا عقب تفجيرات مدريد‏,‏ لان اله القمع لا تزال تجعل الانتخابات في المجتمعات العربيه اما لا تجري من الاصل او تجري بطريقه صوريه مطعون في شرعيتها ونزاهتها في الغالبيه العظمي من الاحيا‏,‏ ومن ثم لا يجدي معها ان استندت الي التكنولوجيا ام لا‏.‏

يضاف لهذا الوضع ان موسسات المجتمع المدني العربيه وما فيها من روابط اجتماعيه افقيه كالنقابات والجمعيات الاهليه والاتحادات والانديه العماليه والمهنيه والطلابيه والاحزاب السياسيه‏...‏ الخ‏-‏ لا تزال حتي الان تستند في الاغلب الاعم الي وسائل تقليديه في ممارسه انشطتها واعمالها واداره علاقاتها مع المجتمع من حولها‏,‏ ولا تستخدم ادوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات استخداما كثيفا وواضح الاثر في اعمالها وانشطتها وفعالياتها وفي حشد اعضائها حول قضيه معينه‏,‏ او في تحريك جماهيرها العريضه صوب موقف معين‏.‏

وبالطبع‏..‏ كان لابد ان تفرز هذه الظروف المعقده احداثا وانشطه وفعاليات ذات خصوصيه مختلفه فيما يخص العلاقه بين ثوره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من جانب والحراك السياسي الاجتماعي بالمجتمعات العربيه من جانب اخر‏,‏ خصوصيه نابعه من عمليات الكر والفر التي لا تنقطع بين من يحرصون علي حريه الراي والتعبير ويجيدون استخدام التكنولوجيا ومن يمسكون باله القمع ويحترفون استخدامها بلا تردد او رحمه في كثير من الاحيان‏.‏

من هنا فان المشهد الوليد للحراك السياسي والاجتماعي العربي الناشيء علي خلفيه ثوره الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يكاد يكون خاليا تقريبا من ايه وقائع او احداث كبري فارقه تم تغيير مسارها او التاثير في نتائجها استنادا الي ما تتيحه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من امكانات‏,‏ ويكاد يكون قد توقف عند مرحله النضال بالراي والتعبير الحر ولم يتعد ذلك‏.‏

ما يمكن قوله في النهايه ان مشهد التاثير السياسي لثوره المعلومات والاتصالات بالمجتمعات العربيه يبدو غنيا بانشطه وفعاليات كثيره العدد متتابعه الحدوث ومحدوده الحجم والانتشار‏,‏ يعلو ويشتد عودها بمرور الوقت‏,‏ تماما مثلما يحدث حينما تنبت مجموعات صغيره متتابعه من النباتات الجديده المختلفه الالوان والاحجام داخل مزرعه شاسعه المساحه يسودها محصول واحد او عده محاصيل قليله‏,‏ فلا يحدث تغيير سريع وجوهري في طبيعه المحاصيل السائده بل يستغرق الامر وقتا طويلا حتي يتم تغيير طابع المزرعه ويتخذ شكل ولون النباتات الجديده‏,‏ وابرز مثال يجسد ذلك هو استخدام الانترنت كوسيله للتعبير عن الراي والقفز فوق الحواجز والممنوعات السائده ومحاوله بث الوعي وتحريك شرائح وقطاعات من الجماهير تجاه قضايا بعينها‏,‏ حتي وان كان هذا الحراك محاطا بالحواف الحاده لاله القمع السائده‏.‏


جمال محمد غيطاس
http://ait.ahram.org.eg/Archive/Index.asp?DID=9581&CurFN=MAKA0.HTM

No comments: