http://ait.ahram.org.eg/Index.asp?DID=9315&CurFN=MAKA0.HTM
تخيل معي هذا السيناريو: شخص ظل لسنوات
طويلة واقفا علي مسافة بعيدة من طريق سريع تمرق عليه السيارات كالبرق
منطلقة بمن استطاعوا ركوبها بينما هو غير مكترث بما يحدث, وحينما أدرك
أن الجميع يتقدمون وهو يتخلف في مكانه خاسرا الجلد والسقط بدأ يتحرق شوقا
لأن يستقل إحدي السيارات المسرعة لينضم للركب ففوجيء بأنه لا يستطيع,
لأنه أصلا بعيد عن الطريق ولا يمتلك سرعة الركض التي تمكنه من اللحاق
بواحدة من هذه السيارات التي لا تهديء من سرعتها لأحد, لذلك ظل مشدوها
يراقبها وهي تمرق بسرعة ملوحا لها جميعا عسي ان تقترب إحداها نحوه
ليستقلها ويمضي في طريقه مع الآخرين,
ومرت سنوات دون أن يهتم به
أو يحس به أحد, وأخيرا سنحت له الفرصة ودخل مجال الرؤية لإحدي السيارات
فبدأت تقترب منه, لكن دون أن تهديء من سرعتها وهي تقرب أو وهي تمر من
أمامه, ومن ثم فإن اقترابها ومرورها لا يضمن لصاحبنا القفز فيها
والانضمام لركابها, بل يتعين عليه الركض بمنتهي القوة والسرعة حتي يتمكن
من الإمساك بها والقفز بداخلها... لو تخيلت هذا السيناريو مع نفسك بهدوء
فستكون قد عرفت بالضبط أين تقع صناعة تكنولوجيا المعلومات المصرية علي
الساحة الدولية وما هي فرصها للانطلاق, أو بالأحري ستكون قد فهمت
الرسالة الثانية من تقرير مجموعة يانكي الدولية للأبحاث الذي خصصته للحديث
عن فرص مصر في الدخول بقوة لساحة هذه الصناعة عالميا.
بمنتهي
البساطة نحن لدينا صناعة اتصالات وتكنولوجيا معلومات كانت دوما خارج
الحلبة, غير مسموعة الصوت ولا يكترث بها أحد لا في الداخل ولا الخارج,
فظلت كالجسم الميت الفاقد الإحساس وغير المكترث لا بنفسه ولا بما يفعله
الآخرون وهم ينهضون ويجتهدون ويركضون ويقفزون في قافلة المستقبل. وخلال
السنوات الأخيرة تنبه البعض إلي أن هذا الجسد الميت بإمكانه أن يفعل شيئا
للبلاد, فحظي بحصة من الاهتمام جعلت الحركة تدب في أوصاله, فتغير موقف
الصناعة وراحت ترنو ببصرها صوب ما يجري في العالم متحسرة علي ما فات.
وفيما
يبدو أنه بعد الصراع الطويل والشد والجذب والتلويح الذي استمر خلال
السنوات الست الماضية لعربات التكنولوجيا المنطلقة بسرعة صوب المستقبل..
وجدت هذه الصناعة نفسها في مجال الرؤية الخاص بإحدي العربات, فبعد أن
كانت التقارير العالمية تهمل مصر تماما ولا تذكرها مطلقا, راح بعضها
يذكرها إما علي استحياء أو يتعرض لها بصورة سلبية تماما, ثم تطور الأمر
قليلا وبدأت بعض التقارير تضعها في مقارنات مع دول أخري, وهنا أصبحت
البلاد كالشخص الذي تحدثنا عنه في السيناريو السابق حينما دخل مجال الرؤية
لإحدي السيارات المسرعة لكن عليه الركض بعنف كي يستطيع القفز بداخلها.
وطبقا
لتقرير يانكي جروب فإن صناعة التعهيد العالمية ـ التي أشرت لها الأسبوع
الماضي ـ هي العربة التي بدأ طيف مصر يتحرك خافتا في مجال رؤيتها, ويفهم
من التقرير أن هذه العربة فائقة السرعة لن تغير من سرعتها أو وجهتها من
أجلنا, هي فقط تقترب وستمر كومضة ضوء غير عابئة بما إذا كنا سنلحق بها
أم لا.
ولو عدنا للتقرير سنجده يتعرض لهذا الموقف بملابساته
الكاملة موضحا العوامل التي يمكن ان تمنع مصر من الركض بالسرعة الكافية
لاقتناص الفرصة البادية الآن للعيان ويمكن أن تختفي في لمح البصر لنعود
مرة أخري إلي موقع المتفرج, وفي ضوء التقرير يمكننا القول إن العوامل
التي بإمكانها تفويت هذه الفرصة علي مصر تتلخص في عدة نقاط منها:
ـ
أن معظم صناعة تكنولوجيا المعلومات المصرية حاليا مركزة بشدة بالقاهرة
التي تعتبر واحدة من أكثر المدن تلوثا في إفريقيا وفيها مشكلة السحابة
السوداء وهي أمور تحد من قدرة مصر كبلد جاذب للاستثمار.
ـ علي
الرغم من أن القرية الذكية خارج القاهرة وبها بنية أساسية حديثة واجتذبت
عددا من اللاعبين العالميين في صناعة تكنولوجيا المعلومات فإنها المكان
الوحيد من نوعه في مصر, وعليه فإن الحكومة المصرية عليها تكرار تجربة
القرية الذكية في مناطق اخري خاصة الإسكندرية.
ـ مستوي المعيشة
في مصر يبدو منخفضا بشكل واضح, وعليه فإنه لجذب الجنسيات الأجنبية
للمجيء والعيش في مصر والعمل بها في تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات
تحتاج الحكومة المصرية إلي توضيح أن مستوي المعيشة في مصر يكافيء مستوي
المعيشة بالكويت والسعودية ودبي.
ـ فيما يتعلق بالأمن لا يزال الأمر يتطلب جهودا لإقناع الجنسيات الأجنبية بأنهم سيكونون بأمان وهم يمشون عبر شوارع مصر.
ـ
تعاني مصر من مشكلات في البنية الأساسية كالاكتظاظ المروري العنيف
ومحدودية الطرق والمشروعات غير المكتملة مثل الطريق الدائري حول
القاهرة, كما أن السكك الحديدية في مصر تعاني من الإهمال لفترات
طويلة, وعدد الحوادث المميتة التي تحدث بها تعكس المخاطر التي تعيشها
سكك حديد مصر وركابها.
ـ هناك بعض القلق فيما يتعلق بأمن
المعلومات خاصة بسبب الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة, وهو ما
يجعل الشركات التي تعمل في تعهيد بعض العمليات الحساسة مثل عمليات
واجراءات المعرفة تحتاج إلي جهد كبير لإقناعها بأن بياناتها ستكون
محمية, ويدلل التقرير علي هذه النقطة بسؤال وجهه أحد المستثمرين لمسئول
مصري في أحد المؤتمرات وقال فيه:هل قنابل العراق تسمع في القاهرة؟
ـ
نظام التعليم الحالي لا يضمن تخريج عمالة مدربة علي مستوي عالي وبمعدلات
تلبي متطلبات النمو المتوقع في هذه الصناعة إذا ما استطاعت مصر دخولها علي
الساحة العالمية, وبالتالي إذا نمت صناعة التعهيد بمصر فسيكون هناك ضغط
علي الشركات لكي توظف المزيد من العمالة بسرعة, وفي ظل نظام التعليم
والتدريب الحالي ستكون سوق العمل غير قادرة علي ذلك, ومن ثم سترتفع
الأجور ويرتفع معدل ترك الوظائف ما بين شركة وأخري مما يجعل مصر بيئة غير
جاذبة لهذه الصناعة.
ويري التقرير أن العوامل السابقة هي نفسها
التي تحولت إلي أخطاء شابت التجربة الهندية وبدأت تكبل صناعة التعهيد بها
وتبطيء من اندفاعتها للأمام, فمشكلة الهند أو أخطائها أنها انطلقت في
هذه الصناعة ولديها بنية أساسية متهالكة محدودة القدرة ونظام تعليمي قاصر
وغير مؤهل لدعمها علي المدي الطويل وبيئة تشريعية واستثمارية بها أوجه
قصور لا تتناسب مع النمو واسع النطاق في هذه الصناعة, وكانت النتيجة أنه
مع النمو السريع لهذه الصناعة تحول قصور البنية الاساسية والاستثمارية إلي
حجر عثرة وعقبة تحد من النمو,
كما انكشفت عورات النظام التعليمي
وعجزه عن إمداد الصناعة بما تحتاجه من قوي عاملة مؤهلة, فاتجهت الأجور
للارتفاع وزادت معدلات ترك الوظائف وتفشت ظاهرة تخاطف الموظفين فيما بين
الشركات, ولأن الصناعة عالميا لا تعبأ كثيرا بما يحدث محليا راحت تحول
إتجاهها صوب مناطق أخري من العالم ولم تعد الهند خيارها الوحيد, وكان
هذا أحد الأسباب التي جعلت مصر وبعض البلدان الأخري تدخل مجال الرؤية في
هذه الصناعة, ولذلك يري التقرير أن الفرصة المتاحة لمصر يتمثل جزء كبير
منها في الاستفادة من الأخطاء الهندية وعدم تكرارها بل واستثمارها وتقديم
البديل لها, سواء من حيث الأعداد او مستويات الأجور أو البنية الأساسية
القوية.
هكذا يحدد التقرير المجالات التي يتعين علي مصر أن تسرع
فيها بقدر ما تستطيع حتي تكون قادرة علي القفز في عربة التعهيد وهي تمرق
أمامها بمنتهي السرعة, والملفت للنظر هنا أن هذا التحليل لا يورد الأمور
المتعلقة بقدرة مصر علي الإنجاز التقني ضمن المجالات المطلوب الإسراع
فيها, ونعني بالإنجاز التقني معدلات انتشار التليفونات والحاسبات
ومستخدمي الانترنت وخدماتها ونوادي التكنولوجيا وغيرها.
هنا يكمن
مربط الفرس الحقيقي في القصة برمتها, فهذا التقرير ـ كغيره من التقارير
الدولية الأخري كتقارير منتدي دافوس والاتحاد الدولي للاتصالات والأمم
المتحدة ـ يدل علي أن مصر أنجزت تقنيا بصورة أو بأخري, لكن هذا الإنجاز
في حالة اشتباك وربما خصومة مع محيط مجتمعي يسلبه فاعليته, وقد ذكرت من
قبل في معرض تعليقي علي تقرير دافوس أن جهود وزارة الاتصالات تبدو كدفقات
من المياه العذبة التي تدخل بحيرة مالحة وملوحتها آخذة بالارتفاع,
ولأن
معدل ارتفاع الملوحة أكبر من قدرة المياه العذبة علي إذابة الأملاح تتجه
البحيرة بكاملها صوب مزيد من الملوحة, أي أن إنجاز وزارة الاتصالات
يتآكل ويتبدد تحت وطأة متغيرات وعوامل تقع ضمن اختصاص وزارات أخري,
فتبدو النتيجة الإجمالية بالنسبة للبلاد ككل سلبية, وهذه معضلة تتطلب أن
تعيد الوزارة النظر في سياساتها وخططها وطريقة أداء مسئوليها, وأن تعي
الوزارة أنه قبل أن تمارس دورها في نشر الشبكات والأجهزة عليها أولا أن
تزرع الفهم والقناعات الصحيحة لدي نظيراتها من الوزارات والهيئات الأخري
وتعمل بكل قوة علي تغيير الذهنية الحكومية والمجتمعية لتنتقل من حالة
الخصومة مع التكنولوجيا إلي القبول بها ودعمها, حتي لا يتبدد الانجاز
التقني في المحيط المجتمعي غير الملائم, وإذا تخلت الوزارة عن هذه
المهمة أو أجلتها خوفا من المواجهة مع الآخرين فستظل أوضاع الوزارات
والقطاعات الأخري بالمجتمع تأكل حسناتها أولا بأول لتكون حصيلة البلاد ككل
صفر, وهي مهمة تتجاوز اختصاص الوزارة إلي الدولة بكامل قيادتها, وهذا
بالضبط ما عنيته حينما قلت إن الرسالة الثانية في التقرير موجهة للدولة
المصرية وليست الحكومة أو وزارة الاتصالات فقط.
إن البلاد جاهزة
للدخول في معترك صناعة جديدة واعدة من حيث العائدات وتوسيع فرص العمل
واستغلال الموارد, والقطاع المسئول عن هذه الصناعة يحاول تجهيز نفسه
بالأدوات اللازمة, لكن الفرصة ككل محاصرة بمجتمع غير مهيأ وبيئة عمل غير
مستعدة, ودولة تعاني مشكلات جمة بدءا مما يقال عن الاستقرار السياسي
وانتهاء بالسحابة السوداء وحرائق القطارات ونزيف الإسفلت, وهو وضع
يجعلنا في غاية القلق علي فرصة باتت قاب قوسين أو أدني من أيدينا وتمضي
بسرعة الضوء وتوشك أن تفلت وقد لا تجود الأقدار بمثلها في المستقبل
المنظور.. فهل تتحرك الدولة وتمسك بها قبل أن تتبدد وتذهب لغيرنا؟
تخيل معي هذا السيناريو: شخص ظل لسنوات
طويلة واقفا علي مسافة بعيدة من طريق سريع تمرق عليه السيارات كالبرق
منطلقة بمن استطاعوا ركوبها بينما هو غير مكترث بما يحدث, وحينما أدرك
أن الجميع يتقدمون وهو يتخلف في مكانه خاسرا الجلد والسقط بدأ يتحرق شوقا
لأن يستقل إحدي السيارات المسرعة لينضم للركب ففوجيء بأنه لا يستطيع,
لأنه أصلا بعيد عن الطريق ولا يمتلك سرعة الركض التي تمكنه من اللحاق
بواحدة من هذه السيارات التي لا تهديء من سرعتها لأحد, لذلك ظل مشدوها
يراقبها وهي تمرق بسرعة ملوحا لها جميعا عسي ان تقترب إحداها نحوه
ليستقلها ويمضي في طريقه مع الآخرين,
ومرت سنوات دون أن يهتم به
أو يحس به أحد, وأخيرا سنحت له الفرصة ودخل مجال الرؤية لإحدي السيارات
فبدأت تقترب منه, لكن دون أن تهديء من سرعتها وهي تقرب أو وهي تمر من
أمامه, ومن ثم فإن اقترابها ومرورها لا يضمن لصاحبنا القفز فيها
والانضمام لركابها, بل يتعين عليه الركض بمنتهي القوة والسرعة حتي يتمكن
من الإمساك بها والقفز بداخلها... لو تخيلت هذا السيناريو مع نفسك بهدوء
فستكون قد عرفت بالضبط أين تقع صناعة تكنولوجيا المعلومات المصرية علي
الساحة الدولية وما هي فرصها للانطلاق, أو بالأحري ستكون قد فهمت
الرسالة الثانية من تقرير مجموعة يانكي الدولية للأبحاث الذي خصصته للحديث
عن فرص مصر في الدخول بقوة لساحة هذه الصناعة عالميا.
بمنتهي
البساطة نحن لدينا صناعة اتصالات وتكنولوجيا معلومات كانت دوما خارج
الحلبة, غير مسموعة الصوت ولا يكترث بها أحد لا في الداخل ولا الخارج,
فظلت كالجسم الميت الفاقد الإحساس وغير المكترث لا بنفسه ولا بما يفعله
الآخرون وهم ينهضون ويجتهدون ويركضون ويقفزون في قافلة المستقبل. وخلال
السنوات الأخيرة تنبه البعض إلي أن هذا الجسد الميت بإمكانه أن يفعل شيئا
للبلاد, فحظي بحصة من الاهتمام جعلت الحركة تدب في أوصاله, فتغير موقف
الصناعة وراحت ترنو ببصرها صوب ما يجري في العالم متحسرة علي ما فات.
وفيما
يبدو أنه بعد الصراع الطويل والشد والجذب والتلويح الذي استمر خلال
السنوات الست الماضية لعربات التكنولوجيا المنطلقة بسرعة صوب المستقبل..
وجدت هذه الصناعة نفسها في مجال الرؤية الخاص بإحدي العربات, فبعد أن
كانت التقارير العالمية تهمل مصر تماما ولا تذكرها مطلقا, راح بعضها
يذكرها إما علي استحياء أو يتعرض لها بصورة سلبية تماما, ثم تطور الأمر
قليلا وبدأت بعض التقارير تضعها في مقارنات مع دول أخري, وهنا أصبحت
البلاد كالشخص الذي تحدثنا عنه في السيناريو السابق حينما دخل مجال الرؤية
لإحدي السيارات المسرعة لكن عليه الركض بعنف كي يستطيع القفز بداخلها.
وطبقا
لتقرير يانكي جروب فإن صناعة التعهيد العالمية ـ التي أشرت لها الأسبوع
الماضي ـ هي العربة التي بدأ طيف مصر يتحرك خافتا في مجال رؤيتها, ويفهم
من التقرير أن هذه العربة فائقة السرعة لن تغير من سرعتها أو وجهتها من
أجلنا, هي فقط تقترب وستمر كومضة ضوء غير عابئة بما إذا كنا سنلحق بها
أم لا.
ولو عدنا للتقرير سنجده يتعرض لهذا الموقف بملابساته
الكاملة موضحا العوامل التي يمكن ان تمنع مصر من الركض بالسرعة الكافية
لاقتناص الفرصة البادية الآن للعيان ويمكن أن تختفي في لمح البصر لنعود
مرة أخري إلي موقع المتفرج, وفي ضوء التقرير يمكننا القول إن العوامل
التي بإمكانها تفويت هذه الفرصة علي مصر تتلخص في عدة نقاط منها:
ـ
أن معظم صناعة تكنولوجيا المعلومات المصرية حاليا مركزة بشدة بالقاهرة
التي تعتبر واحدة من أكثر المدن تلوثا في إفريقيا وفيها مشكلة السحابة
السوداء وهي أمور تحد من قدرة مصر كبلد جاذب للاستثمار.
ـ علي
الرغم من أن القرية الذكية خارج القاهرة وبها بنية أساسية حديثة واجتذبت
عددا من اللاعبين العالميين في صناعة تكنولوجيا المعلومات فإنها المكان
الوحيد من نوعه في مصر, وعليه فإن الحكومة المصرية عليها تكرار تجربة
القرية الذكية في مناطق اخري خاصة الإسكندرية.
ـ مستوي المعيشة
في مصر يبدو منخفضا بشكل واضح, وعليه فإنه لجذب الجنسيات الأجنبية
للمجيء والعيش في مصر والعمل بها في تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات
تحتاج الحكومة المصرية إلي توضيح أن مستوي المعيشة في مصر يكافيء مستوي
المعيشة بالكويت والسعودية ودبي.
ـ فيما يتعلق بالأمن لا يزال الأمر يتطلب جهودا لإقناع الجنسيات الأجنبية بأنهم سيكونون بأمان وهم يمشون عبر شوارع مصر.
ـ
تعاني مصر من مشكلات في البنية الأساسية كالاكتظاظ المروري العنيف
ومحدودية الطرق والمشروعات غير المكتملة مثل الطريق الدائري حول
القاهرة, كما أن السكك الحديدية في مصر تعاني من الإهمال لفترات
طويلة, وعدد الحوادث المميتة التي تحدث بها تعكس المخاطر التي تعيشها
سكك حديد مصر وركابها.
ـ هناك بعض القلق فيما يتعلق بأمن
المعلومات خاصة بسبب الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة, وهو ما
يجعل الشركات التي تعمل في تعهيد بعض العمليات الحساسة مثل عمليات
واجراءات المعرفة تحتاج إلي جهد كبير لإقناعها بأن بياناتها ستكون
محمية, ويدلل التقرير علي هذه النقطة بسؤال وجهه أحد المستثمرين لمسئول
مصري في أحد المؤتمرات وقال فيه:هل قنابل العراق تسمع في القاهرة؟
ـ
نظام التعليم الحالي لا يضمن تخريج عمالة مدربة علي مستوي عالي وبمعدلات
تلبي متطلبات النمو المتوقع في هذه الصناعة إذا ما استطاعت مصر دخولها علي
الساحة العالمية, وبالتالي إذا نمت صناعة التعهيد بمصر فسيكون هناك ضغط
علي الشركات لكي توظف المزيد من العمالة بسرعة, وفي ظل نظام التعليم
والتدريب الحالي ستكون سوق العمل غير قادرة علي ذلك, ومن ثم سترتفع
الأجور ويرتفع معدل ترك الوظائف ما بين شركة وأخري مما يجعل مصر بيئة غير
جاذبة لهذه الصناعة.
ويري التقرير أن العوامل السابقة هي نفسها
التي تحولت إلي أخطاء شابت التجربة الهندية وبدأت تكبل صناعة التعهيد بها
وتبطيء من اندفاعتها للأمام, فمشكلة الهند أو أخطائها أنها انطلقت في
هذه الصناعة ولديها بنية أساسية متهالكة محدودة القدرة ونظام تعليمي قاصر
وغير مؤهل لدعمها علي المدي الطويل وبيئة تشريعية واستثمارية بها أوجه
قصور لا تتناسب مع النمو واسع النطاق في هذه الصناعة, وكانت النتيجة أنه
مع النمو السريع لهذه الصناعة تحول قصور البنية الاساسية والاستثمارية إلي
حجر عثرة وعقبة تحد من النمو,
كما انكشفت عورات النظام التعليمي
وعجزه عن إمداد الصناعة بما تحتاجه من قوي عاملة مؤهلة, فاتجهت الأجور
للارتفاع وزادت معدلات ترك الوظائف وتفشت ظاهرة تخاطف الموظفين فيما بين
الشركات, ولأن الصناعة عالميا لا تعبأ كثيرا بما يحدث محليا راحت تحول
إتجاهها صوب مناطق أخري من العالم ولم تعد الهند خيارها الوحيد, وكان
هذا أحد الأسباب التي جعلت مصر وبعض البلدان الأخري تدخل مجال الرؤية في
هذه الصناعة, ولذلك يري التقرير أن الفرصة المتاحة لمصر يتمثل جزء كبير
منها في الاستفادة من الأخطاء الهندية وعدم تكرارها بل واستثمارها وتقديم
البديل لها, سواء من حيث الأعداد او مستويات الأجور أو البنية الأساسية
القوية.
هكذا يحدد التقرير المجالات التي يتعين علي مصر أن تسرع
فيها بقدر ما تستطيع حتي تكون قادرة علي القفز في عربة التعهيد وهي تمرق
أمامها بمنتهي السرعة, والملفت للنظر هنا أن هذا التحليل لا يورد الأمور
المتعلقة بقدرة مصر علي الإنجاز التقني ضمن المجالات المطلوب الإسراع
فيها, ونعني بالإنجاز التقني معدلات انتشار التليفونات والحاسبات
ومستخدمي الانترنت وخدماتها ونوادي التكنولوجيا وغيرها.
هنا يكمن
مربط الفرس الحقيقي في القصة برمتها, فهذا التقرير ـ كغيره من التقارير
الدولية الأخري كتقارير منتدي دافوس والاتحاد الدولي للاتصالات والأمم
المتحدة ـ يدل علي أن مصر أنجزت تقنيا بصورة أو بأخري, لكن هذا الإنجاز
في حالة اشتباك وربما خصومة مع محيط مجتمعي يسلبه فاعليته, وقد ذكرت من
قبل في معرض تعليقي علي تقرير دافوس أن جهود وزارة الاتصالات تبدو كدفقات
من المياه العذبة التي تدخل بحيرة مالحة وملوحتها آخذة بالارتفاع,
ولأن
معدل ارتفاع الملوحة أكبر من قدرة المياه العذبة علي إذابة الأملاح تتجه
البحيرة بكاملها صوب مزيد من الملوحة, أي أن إنجاز وزارة الاتصالات
يتآكل ويتبدد تحت وطأة متغيرات وعوامل تقع ضمن اختصاص وزارات أخري,
فتبدو النتيجة الإجمالية بالنسبة للبلاد ككل سلبية, وهذه معضلة تتطلب أن
تعيد الوزارة النظر في سياساتها وخططها وطريقة أداء مسئوليها, وأن تعي
الوزارة أنه قبل أن تمارس دورها في نشر الشبكات والأجهزة عليها أولا أن
تزرع الفهم والقناعات الصحيحة لدي نظيراتها من الوزارات والهيئات الأخري
وتعمل بكل قوة علي تغيير الذهنية الحكومية والمجتمعية لتنتقل من حالة
الخصومة مع التكنولوجيا إلي القبول بها ودعمها, حتي لا يتبدد الانجاز
التقني في المحيط المجتمعي غير الملائم, وإذا تخلت الوزارة عن هذه
المهمة أو أجلتها خوفا من المواجهة مع الآخرين فستظل أوضاع الوزارات
والقطاعات الأخري بالمجتمع تأكل حسناتها أولا بأول لتكون حصيلة البلاد ككل
صفر, وهي مهمة تتجاوز اختصاص الوزارة إلي الدولة بكامل قيادتها, وهذا
بالضبط ما عنيته حينما قلت إن الرسالة الثانية في التقرير موجهة للدولة
المصرية وليست الحكومة أو وزارة الاتصالات فقط.
إن البلاد جاهزة
للدخول في معترك صناعة جديدة واعدة من حيث العائدات وتوسيع فرص العمل
واستغلال الموارد, والقطاع المسئول عن هذه الصناعة يحاول تجهيز نفسه
بالأدوات اللازمة, لكن الفرصة ككل محاصرة بمجتمع غير مهيأ وبيئة عمل غير
مستعدة, ودولة تعاني مشكلات جمة بدءا مما يقال عن الاستقرار السياسي
وانتهاء بالسحابة السوداء وحرائق القطارات ونزيف الإسفلت, وهو وضع
يجعلنا في غاية القلق علي فرصة باتت قاب قوسين أو أدني من أيدينا وتمضي
بسرعة الضوء وتوشك أن تفلت وقد لا تجود الأقدار بمثلها في المستقبل
المنظور.. فهل تتحرك الدولة وتمسك بها قبل أن تتبدد وتذهب لغيرنا؟
No comments:
Post a Comment