http://ait.ahram.org.eg/Archive/Index.asp?DID=9308&CurFN=MAKA0.HTM
قرات اخيرا تقريرا صادرا
عن مجموعه يانكي الامريكيه للبحوث والاستشارات عنوانه هل المستقبل مشرق بالنسبه
لتعهيد خدمات تكنولوجيا المعلومات في مصر؟, والتقرير يعرض اوضاع هذه الصناعه بمصر
بشكل متوازن راصدا نقاط الضعف والقوه والتحديات والفرص, وبعد قراءته خلصت الي انه
يحمل رسالتين اساسيتين الاولي يحاول نقلها الي جمهور قرائه من المديرين التنفيذيين
وراسمي الاستراتيجيات في صناعه التعهيد بالعالم ومفادها انه بات هناك مكان اسمه مصر
علي خريطه الاستثمار في هذه الصناعه عالميا, وهو مكان لا يزال في بدايه عهده
ويخطو خطواته الاولي ويحمل مزايا يفضل النظر اليها, والرساله الثانيه للدوله
المصريه وليس الحكومه او وزاره الاتصالات فقط ومفادها ان فرصه مصر في الانطلاق في
هذه الصناعه والحصول علي نصيب عادل منها تتمثل الان في حسن وسرعه استغلال اخطاء
الهند السابقه والحاليه.
وقبل الحديث عن التقرير اشير الي ان صناعه
التعهيد في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يقصد بها الانشطه التي تقوم علي وجود
علاقه بين طرفين, ويعهد فيها طرف ما للطرف الاخر بمهام معينه ليوديها عنه بدلا من
القيام بها بنفسه, اي يستعين الاول بقدرات الثاني ليقوم نيابه عنه بهذه المهام
بغيه تاديتها بطريقه يري الطرف الاول ان الطرف الثاني يمكنه القيام بها بتكلفه ارخص
او كفاءه اعلي, او لان الطرف الاول يريد التفرغ لمهام ووظائف اخري اكثر اهميه
بالنسبه له.
وحاليا تتنوع عمليات التعهيد بشده, فهي قد تكون مجرد
الاشراف علي صيانه الاجهزه والمعدات والبرمجيات وضمان تشغيلها بشكل مناسب طوال
الوقت, او الاشراف فقط علي تجهيز واعداد بيانات ومعلومات, او تنفيذ برامج
لتدريب كوادر بشريه بضمان اعدادها للمستوي المطلوب, ويحتمل ان تتصاعد المهام محل
التعهيد وتتعقد بحيث يحدد الطرف الاول نوع المنتج او الخدمه او المهمه النهائيه
التي يريد الحصول عليها بالاستعانه بتكنولوجيا المعلومات, ويعهد بالامر كليه
للطرف الثاني ليفعل ما يشاء ثم ياتي اليه بالخدمه او المنتج المطلوب في النهايه,
ولا تكون للطرف الاول ايه علاقه مطلقا بشراء اجهزه ومعدات او تشغيلها او صيانتها او
تطوير برمجياتها او خلافه, وطبقا لموسسه ايه تي كيرني فان حجم صناعه التعهيد
عالميا تجاوز81 مليار دولار عام2005 ويتوقع ان يصل الي252 مليار عام2010,
وتحتل مصر المرتبه رقم13 في قائمه افضل50 دوله المرشحه للعمل في هذه الصناعه,
بحصه تقدر بحوالي250 مليون دولار, وتقسم ايه تي كيرني هذه الصناعه لتسعه افرع
هي خدمات تكنولوجيا المعلومات ومنتجات تكنولوجيا المعلومات ومراكز الاتصال ومراكز
الهندسه والدعم الفني وعمليات واج
راءات الاعمال والتوطين المحلي وخدمات اللغه
وتطوير واداره المحتوي, والعمليات والاجراءات القائمه علي المعرفه, وهندسه
البحوث والتطوير.
والتقرير المذكور موجه للمديرين التنفيذيين والمديرين
الماليين وروساء مجال الادارات وغيرهم من المسئولين عن رسم الاستراتيجيات بالشركات
والموسسات الدوليه التي تعتبر من كبار المستثمرين في هذه الصناعه وتبحث عن مكان
للاستثمار فيه ونقل انشطتها اليه, واستعرض اليوم رسالته الاولي التي يري فيها مصر
كمكان يفضل الانتباه لمزاياه.
يبدا التقرير بتساول مثير هو: هل ستتحول
مصر الي هند الشرق الاوسط؟
والسوال علي هذا النحو له مغزي واضح, فالهند هي
الدوله صاحبه النصيب الاكبر علي الاطلاق من صناعه التعهيد العالميه حيث تصل حصتها
الي60% من عائداتها علي مستوي العالم, وحينما يتم التساول عن دور مصر كهند
الشرق الاوسط فهذا معناه ان واضعي التقرير يفكرون في مصر كقائد محتمل لهذه الصناعه
بالمنطقه ونقطه ارتكاز لها في افريقيا وغرب اسيا وجنوب وغرب اوروبا, وفي محاولته
للاجابه عن هذا السوال يقارن التقرير بين اوضاع هذه الصناعه في كل من مصر والهند
والصين ويحلل نقاط القوه والضعف لدي الدول الثلاث, ويخرج المرء من هذه المقارنه
بان مصر لم تعد بلدا عارضا عند الحديث عن هذه الصناعه, بل مكانا يفضل الالتفات
اليه والانتباه لما ينتويه وما يحتمل ان يقدمه من مزايا.
ويبدا التقرير
استعراضه لاوضاع مصر في هذه الصناعه متناولا الاستثمار الاجنبي المباشر والتجاره
الدوليه باعتباره معيارا مهما لقياس التعاملات والاستثمارات للشركات متعدده
الجنسيات, ويشير الي ان مصر شهدت في الفتره الاخيره زياده في تدفق الاستثمار
الاجنبي بمعدل64% سنويا في الفتره ما بين العام المالي2000/2001 و2005/2006,
ففي العام المالي2005/2006 بلغ تدفق الاستثمار الاجنبي لمصر6.1 مليار دولار
بزياده قدرها70% عن العام المالي2003/2004, وما قبل ذلك الفتره كان التركيز علي
قطاع البترول حيث وصل تدفق الاستثمار في قطاع البترول حوالي70% بينما في العام
المالي2005/2006 جذب قطاع البترول30% فقط الاستثمارات الاجنبيه المتدفقه الي
مصر وباقي النسبه كانت بقطاعات البنوك والعقارات والانشاءات,
وهذا يشير
الي انه في العام المالي2004/2005 و2005/2006 ارتفع تدفق الاستثمار الاجنبي
بمصر في غير قطاعات البترول الي حوالي214% ليصل الي4.3 مليار دولار, وركزت
معظم هذه الاستثمارات علي تكوين شركات جديده مع زياده راس مال الخاص بها مما يشير
الي ان مصر تشجع الاستثمار الاجنبي.
الي جانب الاستثمار يتحدث التقرير عن
تطورات اخري ذات علاقه مباشره بصناعه التعهيد, منها اقرار حزمه من الاصلاحات في
قانون العمل تم من خلالها توفير بيئه عمل تلائم طبيعه صناعه التعهيد وتقليل معوقات
توظيف العماله في مصر وتحقيق توازن بين حقوق الموظف وصاحب العمل, واصدار قانون
حمايه الملكيه الفكريه المختص بالبرمجيات وقواعد البيانات والذي يوكد التزام
الحكومه المصريه بحمايه حقوق الملكيه الفكريه للمستثمرين, واصدار قانون الضرائب
الموحد الذي عكس شفافيه نظام الضرائب المصري, بالاضافه لاقرار حزمه من الحوافز
لجذب الشركات الدوليه العامله في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الي
مصر,
من بينها دعم برامج تدريب العماله ورفع كفاءه الكوادر البشريه
المصريه لكي تتواكب مع المقاييس والمعايير العالميه, مثلما حدث مع شركه اورانج
كبري مراكز الخدمات في مصر.
وحينما يقارن التقرير بين مصر والهند في هذه
الصناعه يتعامل معهما علي قاعده اقرب الي النديه علي الرغم من انه يقر بان صناعه
التعهيد المصريه تقف خلف صناعه التعهيد الهنديه بما يتراوح بين15 و20 سنه من
حيث دوره التطوير, فالتقرير يري ان هناك بعض التشابه بين الهند ومصر من حيث ان
البلدين لديهما معدلات فقر واميه مرتفعه خاصه بين السيدات بالاضافه الي وجود مناطق
قرويه كثيره في البلدين, وان البلدين يتشابهان في وجود مساهمه واسعه لقطاع
الخدمات في اجمالي الناتج القومي, ويسمح البلدان بتملك الشركات الاجنبيه
والمتعدده الجنسيات بانشطه وكيانات متنوعه في مجال تكنولوجيا المعلومات, ومستوي
الملكيه الاجنبيه المسموح به في الهند يصل الي75% من الكيانات
القائمه,
بينما هو بدون حدود في مصر مما يوثر تاثيرا ايجابيا علي معدلات
الناتج القومي في البلدين, وتتشابه الهند ومصر من حيث التركيبه السكانيه,
فالفئه العمريه السائده بالهند هي23 عاما بينما في مصر24 عاما مما يشير الي ان
العماله في كلتا البلدين من الشباب القابل للتدريب.
يتحدث التقرير بعد ذلك
عن مزايا اخري لمصر في هذه الصناعه في مقدمتها التعدد اللغوي, اي قدره المجتمع
المصري علي امداد هذه الصناعه بمحترفين قادرين علي التحدث بلغات متنوعه, عكس
الهند التي تسودها الانجليزيه فقط وبلكنه لا تقارن بالحرفيه والمستوي اللغوي
للمصريين, يضاف لذلك ان الزخم الحضاري المصري عبر التاريخ وقربها وتفاعلها الاكبر
مع الغرب وموقعها الجغرافي وتوقيتها الزمني المناسب وثقل صناعه السياحه بها يجعلها
افضل من الهند من حيث القدره علي التواصل الحضاري والتفاعل الاكثر حميميه مع
الشركات الغربيه وعملائها وزبائنها, وهو وضع تتفوق به مصر علي الهند بل وتقفز به
خطوات علي الصين, ناهيك عن ان مستويات الاجور والتكلفه في مصر رخيصه وتعتبر جيده
ان لم تكن متفوقه علي الهند.
يفهم من التقرير كذلك ان واضعيه يلمسون ان
هناك تحسنا طرا علي البنيه الاساسيه في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
بمصر, اذ يشير التقرير الي ان معدلات انتشار الانترنت والحاسبات والتليفونات بمصر
تتجاوز كثيرا معدلات انتشارها بالهند, ويعتبر التقرير ان هذا موشر علي ان البنيه
الاساسيه بمصر تتجاوز قوه البنيه الاساسيه الهنديه من منظور القدره علي خدمه
المجتمع ككل.
هكذا يرسم التقرير الفرصه المتاحه امام مصر في هذه الصناعه
ويضع البلاد في مستوي التوقعات الايجابيه التي نحلم بان تتحقق لتنطلق مصر للعالميه
وتاخذ شيئا مما تستحقه في عالم اليوم شديد الاضطراب والتغيير, ولا شك ان مثل هذه
النظره لمصر لم تكن لتحدث لو لم يكن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد حقق
تقدما اقنع واضعي التقرير بالتعامل مع مصر علي هذا المستوي من
الايجابيه.
خلاصه ما سبق ان البلاد الان امام نقطه بدايه جيده تمثل فرصه
يتعين عدم التفريط فيها وتطويرها بمرور الوقت, لكن هذا ليس سهلا علي الاطلاق,
فالرساله الثانيه في التقرير يفهم منها ان احتمالات نجاح مصر في اقتناص هذه الفرصه
تعترضها تحديات وصعوبات جمه لا مخرج منها الا باستثمار والاستفاده من اخطاء الهند
السابقه والحاليه والا ستفلت الفرصه من يد مصر وتذهب لغيرها..والي الاسبوع
المقبل.
No comments:
Post a Comment