منذ مطلع2000 وحتي الان وصناعه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر تنمو نموا كميا علي صعيد نشر خطوط الاتصالات واعداد الحاسبات والتدريب علي التكنولوجيا واعداد مستخدمي الانترنت, لكن الملاحظ ان هذا النمو الكمي لم تظلله رويه واضحه تحدد: الي اين سيقودنا كل ذلك في النهايه علي صعيد بناء الصناعه الوطنيه؟ بمعني اخر لا توجد حتي الان اجابات واضحه حول: اي نوع من الصناعه نريد؟ ولمن سنتوجه بهذه الصناعه واي المجالات ستخدم؟ وباي صوره ستخرج للعالم وتخاطبه؟ بعباره اخري نحن بصدد صناعه عرفت كيف تبدا النمو لكنها لا تعرف بدقه: ماذا بعد.. والي اين ستتجه؟
لتوضيح هذه الفكره اشير في عجاله الي ما حدث في التجربه الهنديه التي ظللنا طويلا ننبهر بها ولا نعيها او نتعلم منها ثم فكرنا اخيرا في التظلل بظلها ونحن نحاول البحث عن موطيء قدم لصناعتنا علي خريطه العالم:
في عام1991 كانت صناعه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الهنديه في وضع اقرب للوضع الذي تعيشه الصناعه المصريه حتي الان, حيث كانت تسير دون رويه وتئن من التشتت والتشرذم وعدم تكامل الجهود, والافتقار الي صوره ذهنيه وسمعه عالميه واضحه, والتعامل مع السوق الدوليه باكثر من وجه وبشكل عشوائي, وفي الوقت نفسه كان بها الكثير من المحاولات الجاده والشركات التي صنعت بجهدها الفردي نجاحات لا باس بها, وكانت حصيله صادرات هذه الصناعه في حدود106 ملايين دولار تقريبا, وساعتها اتخذت الحكومه الهنديه قرارا باجراء دراسه موسعه وعميقه يتم علي اساسها تكوين رويه استراتيجيه تحكم مستقبل هذه الصناعه, وبالفعل وضعت رويه استراتيجيه تحددت وقتها في ان الهند مصدر للخدمات التخصصيه وخدمات الدعم الفني المنخفضه السعر والعاليه الجوده, ومقاول الباطن المحترف الذي يملك كوادر قادره علي حل المشكلات المتعلقه بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ورات هذه الرويه ايضا ان فرصه الهند تتمثل في التوجه جغرافيا للسوق الامريكيه والاوروبيه واليابانيه,ونوعيا في سوق الخدمات التخصصيه وخدمات الدعم, وفي عمليه الانتقال العالمي من لغه الكوبول الي لغات البرمجه الجديده, وفي الاسهام بقوه في حل بعض المشكلات التي ستواجه صناعه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميا خلال التسعينيات.
جاءت هذه الرويه وفقا لتحليلات عميقه للاوضاع الداخليه والدوليه ولاوضاع المنافسين, وقبل التطبيق جري تجسيدها في سلسله برامج تنفيذيه شملت برامج لبناء صوره ذهنيه لصناعه تكنولوجيا المعلومات الهنديه عالميا وبرامج تكوين النواه الاساسيه من الكوادر البشريه, والكيانات المنتجه والعامله في صناعه البرمجيات وفقا لمفهوم التسويق قبل التدريب, وبرامج لتطوير المناهج والمقررات بالمدارس والكليات والمعاهد المتخصصه, وسلسله من الاجراءات الحكوميه الاخري لدعم الصناعه فيما يتعلق بالاعفاءات الجمركيه والحوافز الضريبيه وتوفير التمويل اللازم للخطه الاستثماريه في مجال البرمجيات ومجموعه من البرامج لتشجيع الاستثمار الاجنبي في الهند.
وعند اكتمال وضع الرويه وبرامجها التنفيذيه جري تشكيل مجلس وزاري برئاسه راجيف غاندي رئيس الوزراء الهندي في ذلك الوقت للاشراف علي التنفيذ, وبذل المجلس جهودا كبيره للوصول بهذه الرويه الي جميع الاطراف في الاجهزه الحكوميه والقطاع الخاص والشركات والجهات الاكاديميه, وتحقيق قدر معقول من الالتزام بها لدي الجميع, ثم راحت الهند تنفذ خطتها وفق الرويه التي وضعت مسبقا وانتقلت من نجاح لاخر وتطورت اوضاعها مع الزمن حتي اصبحت علي ما هي عليه الان.
وحينما ننظر الي التجربه الهنديه نجد ان اعداد والانتهاء من الرويه الاستراتيجيه او البوصله العامه كان سابقا علي الخطط والبرامج التنفيذيه, بمعني اخر ان القيمه النوعيه المستهدفه كانت واضحه مسبقا قبل البدء في تنفيذ اي نشاطات تفصيليه ينجم عنها انجازات كميه, فالهند علي المستوي الحكومي والقطاع الخاص والاكاديمي كانت مدركه ومقتنعه منذ عام1991 بان فرصتها في ان تعد نفسها لتصبح في النهايه مقاول الباطن ومورد لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, ثم اجتهدت في تقديم نفسها للعالم علي انها افضل من يقوم بهذا الدور, وفي الوقت نفسه غيرت من اوضاعها الداخليه بالطريقه التي تساعدها علي القيام بهذا الدور وبحثت عن من يساعدها خارجيا للقيام بهذا الدور.
ولو طبقنا هذا المعيار علي التجربه المصريه منذ انشاء وزاره الاتصالات مطلع عام2000 وحتي الان سنجد امامنا تجربه معكوسه تقريبا, فالذي حدث اننا اندفعنا بقوه في تنفيذ البرامج التفصيليه في شتي المحاور, فخلال الفتره من اكتوبر1999 الي يونيو2006 ارتفعت سعه سنترالات الخطوط الثابته من6.4 مليون خط الي12.9 و عدد مشتركي المحمول من654 الف شخص الي15 مليون ومستخدمي الانترنت من300 الف الي5.7 مليون وزاد عدد الشركات العامله بالقطاع من266 شركه الي1773, وعدد العاملين بالشركات من10.256 عامل الي43 الفا, والحاصلين علي التدريب المتخصص من500 الي27 الف شاب, وتدريب تنميه المهارات من1200 الي132 الف, وارتفعت مبيعات الحاسبات من حوالي100 الف حاسب سنويا الي ما يناهز نصف مليون حاسب حاليا.. الخ.
لكننا في مقابل ذلك لم نصغ رويه استراتيجيه متكامله لهذه الصناعه علي غرار ما حدث في التجربه الهنديه, فبعد ست سنوات من العمل والبناء لم نحدد بعد: هل نريد صناعه خدمات ام صناعه تقدم منتجات ؟ وهل نستهدف السوق الداخليه وننفذ سياسه الاحلال محل الواردات ام التصدير للاقليم الذي نعيش فيه ام نخرج للسوق العالميه؟ وفي البرمجيات مثلا لم نحدد: هل نريد صناعه تركز علي المحتوي ام النظم المدمجه ام البرمجيات التجاريه؟ وبالتبعيه فان غياب الرويه انعكس سلبيا علي برامج وسياسات التعليم والتدريب والبحث والتطوير والسياسات الحكوميه والوعي المجتمعي العام.
ومن الادله الواضحه علي غياب الرويه الاستراتيجيه انه في قطاع تكنولوجيا المعلومات بدات الوزاره الاعداد لاستراتيجيه تطوير صادرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عام2005 اي بعد خمس اعوام علي انشاء الوزاره, ثم حددت2006 كعام لبدء التنفيذ وانقضي2006 ولم نسمع ان شيئا جادا قد حدث او في طريقه للحدوث.
ولم يكن الوضع مختلفا كثيرا في قطاع الاتصالات الذي يعاني هو الاخر من الافتقار لرويه استراتيجيه واضحه تلملم اطرافه جميعا وتحدد الهدف النهائي من برامج التحرير وتوجهات الاستثمار, فهو حتي الان لا يزال قطاعا متحررا علي السطح احتكاريا في العمق, ومحكوم باطار تنافسي قائم علي المنافسه في الخدمات كحد اقصي, واطرافه مجبره علي التوافق تكنولوجيا وتشغيليا مع بنيه اساسيه تواجه سوقا ومستهلكين ومستخدمين لهم متطلبات غير التي صممت من اجلها وتحتاج الي تحسينات وتغييرات تقنيه ضخمه, وتوسعات واضافات ربما تفوق قدرات وطاقه مالكيها, وعلاوه علي ذلك فان هذا الاطار التنافسي غير محصن بما يكفي امام ممارسات التمييز لصالح الشركه الام وضد القطاع الخاص او العكس, مما يثير تساولات حول امكانيه تنفيذ عمليه التحرير بفاعليه وامان.
ان الاستمرار في التراكم الكمي علي هذا النحو يدل علي ان الرويه الحاكمه والمسيطره حتي الان هي التي عبر عنها احد كبار المسئولين ذات مره مطلع عام2000 بقوله: مهمتنا السلك والماكينه, اي ان مهمه الوزاره هي بناء شبكات الاتصالات والمعلومات السلك ونشر الحاسبات والاجهزه الاخري الماكينه, وفيما عدا ذلك فهو شان اخر.
وقد يجادل البعض بان مجرد تحقيق هذه الانجازات الكميه هو بحد ذاته كفيل بجعلها تتفاعل مجتمعيا وتوتي ثمارها من تلقاء نفسها, لكن هذا مردود عليه بان التاريخ لم يعرف تجربه تنمويه عميقه وشامله حدثت من تلقاء نفسها بدون رويه تديرها وتضبط حركتها وعقول تخطط لها, ولعل اخطر ما اسفر عنه هذا النهج الذي يفرض نوع من العفويه المتعمده ان جاز التعبير ان لدينا الان الالاف من الشباب الذين حصلوا علي التدريب او اعيد تاهيلهم ولم يجدوا الوظيفه فخسرت فيهم البلاد مرتين, مره حينما تخرجوا في الجامعه ومره حينما اعيد تاهيلهم, واصبح لدينا شركات شيدت بنيه اساسيه ولم تتمكن من توظيفها توظيفا كاملا فخسرت, وشبكات اتصالات اشبه بالطرق السريعه التي لا يمر عليها احد لانعدام المحتوي المناسب, وشركات برمجيات لديها منتجات لا تعرف كيف تسوقها, وموسسات ماليه تحجم عن تمويل انشطه البرمجيات, وصوره ذهنيه عالميه مشوشه وغير واضحه, وصادرات نختلف علي رقمها الحقيقي ناهيك عن ضالته, وهو وضع يوحي بان الصناعه ككل لاتزال بلا بوصله تحدد الي اين تمضي وما الهدف من وراء كل ما يتم تحقيقه كميا علي الارض.
وللانصاف فان المرء لا يمكنه اغفال بعض الموشرات التي ظهرت خلال العام الماضي خاصه في قطاع تكنولوجيا المعلومات وتنم عن ان شيئا ما قد بدا يلوح في الافق, فقد جري التركيز علي الاستثمار في مراكز الاتصالات وفي التسويق لها عالميا, وجاءت الافكار المعلنه حتي الان عن استراتيجيه التصدير متوافقه مع ذلك حيث ركزت هذه الافكار علي تقديم مصر وبناء قدراتها باعتبارها لاعبا محتملا ومميزا في مجال تقديم خدمات التعهيد التي تعد مراكز الاتصال احد انشطتها, يضاف لذلك التوجه الاخير صوب الهند والصين وبعض التحركات الاخري في المحافل الدوليه المتخصصه التي تم انتقاوها بعنايه, وهذه موشرات تعطي الامل في ان يكون2007 هو عام ضبط بوصله صناعه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمصر.
1 comment:
أمل ايه ياعم
دي حكومة مهلبتيه
و معاقين ذهنيا
تم تعيينهم بدقة و عناية
Post a Comment