Monday, July 21, 2008

رفع اسعار المكالمات المحليه‏50%..‏ لماذا؟



حينما طالعت ما اعلنه مسئولو وزاره الاتصالات والشركه المصريه للاتصالات حول التعريفه الاخيره لاسعار المكالمات المحليه للتليفون الثابت والتي ارتفعت فيها اسعار المكالمات المحليه‏50%..‏ تذكرت القصيده التي كتبها الشاعر الكبير احمد فواد نجم عام‏1967‏ بعد النكسه بعنوان‏'‏بقره حاحا‏'‏ والتي حاول فيها وصف احوال مصر في ذلك الوقت‏,‏ واستاذن الشاعر الكبير في القول بانني حينما قرات القصيده وتاملت ما يقوله مسئولو الوزاره والشركه وجدت كما لو ان القصيده كتبت للشركه اليوم وليس لمصر عام‏1967,‏ فنحن امام شركه تمثل شريحه من جهد وعرق الوطن عبر اكثر من مائه عام‏,‏ تتعرض للحلب من جهات مختلفه‏,‏ بعد محاصرتها وتكتيفها بسياسات حرمتها طوال السنوات الماضيه من ممارسه العديد من حقوقها‏,‏ حتي اصبحت تتشابه في كثير من الاحوال مع البقره حاحا‏.‏

تاملت قصيده نجم فوجدتني اقسمها قسمين‏,‏ الاول يصلح لوصف ما جري للمصريه للاتصالات خلال الاعوام السابقه‏,‏ والثاني اخشي ان ينطبق علي احوال الشركه خلال اعوامها المقبله‏,‏ فكلمات النصف الاول من القصيده تقول‏:'‏ناح النواح والنواحه‏,‏ علي بقره حاحا النطاحه‏,‏ والبقره حلوب‏,‏ تحلب قنطار‏,‏ لكن مسلوب‏,‏ من اهل الدار‏,‏ والدار بصحاب‏,‏ واحداشر باب‏,‏ غير السراديب‏,‏ وجحور الديب‏,‏ وبيبان الدار‏,‏ واقفين زنهار‏,‏ ويوم معلوم‏,‏ عملوها الروم‏,‏ زقوا الترباس‏,‏ هربوا الحراس‏,‏ دخلوا الخواجات‏,‏ شفطوا اللبنات‏,‏ والبقره تنادي‏,‏ وتقول يا ولادي‏,‏ وولاد الشوم‏,‏ رايحين ف النوم‏'.‏

الان انظر معي لهذه اللمحات البسيطه من تاريخ المصريه للاتصالات خلال القرن‏21:‏ حينما ظهر المحمول عالميا وتسارعت وتيره ثوره الاتصالات وازداد تلاحمها مع ثوره تكنولوجيا المعلومات‏,‏ تغيرت بيئه الاتصالات عالميا تغيرا جذريا جعل شركات الاتصالات الام الرئيسيه كالمصريه للاتصالات غير قادره علي العمل بمفاهيمها القديمه كشركات نقل صوت تعتمد في دخلها الاساسي علي مشتركيها المرغمين علي التعامل معها‏,‏ فقد دخل الساحه معها شركات المحمول وشركات نقل البيانات التي بدات تنقل الصوت عبر شبكات المعلومات ببروتوكولات الانترنت الي غير ذلك من البدائل‏

وحينما نراجع الخبرات السياسات والاستراتيجيات التي عالجت بها الشركات الام عالميا واقليميا هذه التحديات نجد ان الاتجاه العام في هذه السياسات منذ نهايات القرن الماضي وحتي الان قام علي تطوير البنيه الاساسيه للشركات الام وتحديثها لتصبح قادره علي توسيع قاعده نشاطها وتنويعها لتقدم الخدمات والاشكال الاتصاليه الجديده وفي القلب منها خدمات المحمول وخدمات نقل البيانات والمعلومات‏,‏ بعباره اخري تمثل المخرج في امتلاك الشركه الام او قيامها بتشغيل شبكه للمحمول مع توظيف بنيتها الاساسيه في تقديم الخدمات الجديده‏,‏ فما الذي حدث للمصريه للاتصالات؟

كانت الشركه هيئه قوميه تابعه للدوله ثم حدث ما يعرف بالتحرير فتحولت لشركه تملك الحكومه اغلب اسهمها‏,‏ وساعتها كان بها العديد من العثرات كتقادم التكنولوجيا وتدني الخدمات في كثير من المناطق والاحيان‏,‏ والتمتع بهيمنه كامله علي السوق تمنحها مناعه زائفه في بعض الجوانب‏,‏ لكن الاهم انه كان لديها من العافيه والقوه والرسوخ ما يجعلها تحقق وفرا ماليا يصل الي مستوي تمويل المرحله الاولي لمشروع عملاق كمترو الانفاق‏,‏ وكان هذا تحديدا هو‏'‏ لبن حاحا‏'‏ الذي لفت لها انظار‏'‏ الروم‏'‏ كيف؟‏..‏ اليك بعض مما حدث‏:‏

في وقت التحرير كان لدي الشركه القدره الفنيه والحق الكامل في تقديم خدمات الانترنت وخدمات البيانات والمعلومات للجماهير العريضه بالاستفاده من بنيتها الاساسيه‏,‏ وفي عام‏99‏ ‏2000‏ حينما بدات تجربه الانترنت بقيمه المكالمه التليفونيه او ما اصطلح عليه بالانترنت المجاني‏,‏ تم تقييد حق الشركه في تقديم هذه الخدمات بامكاناتها الواسعه للناس مباشره‏,‏ وذلك بحجه افساح المجال امام القطاع الخاص لكي يتقدم وينمو‏,‏ وبدا الامر نظريا وكان هذه السياسات تهئ المجال لارساء اسس صناعه جديده في مجال خدمات الاتصالات‏,‏ وفي لحظه تنبه بعض العقلاء للظلم الذي تتعرض له الشركه جراء تقييد حقها في ممارسه هذا النشاط‏

فتم انشاء كيان موازي تابع لها لتمارس من خلاله بعض حقها المشروع في هذه الكعكه‏,‏ وخلال فتره التنفيذ والتشغيل اختلطت الدعايه السياسيه مع قواعد العمل الصحيحه او‏'‏ اصول البيزنس‏',‏ وبعد سنوات كانت النتيجه ان غالبيه الشركات التي تغني البعض بانه افسح المجال لانشائها سقطت في الطريق وتوارت عن الانظار مخلفه ورائها تركه ثقيله من المشكلات في مقدمتها الديون المستحقه للمصريه للاتصالات‏,‏ وفي الوقت نفسه بدانا نلاحظ ان بند‏'‏ ديون مشكوك في تحصيلها‏'‏ يتضخم في الميزانيات التي تنشرها المصريه للاتصالات سنه وراء الاخري‏,‏ حتي ان العديد من الخبراء كالاستاذ عبدالخالق فاروق بدا يربط بين عدم قدره شركات الانترنت وخدمات الاتصالات والمعلومات علي الوفاء بحقوقها تجاه المصريه للاتصالات وبين تصاعد حجم الديون المشكوك في تحصيلها لدي الشركه الام

وراي فاروق في تحليلاته ان المصريه للاتصالات ربما تكون قد تعرضت لعمليه تجريف للمال العام الموجود لديها الي بعض اطراف القطاع الخاص الذين قامروا وخسروا وصدروا مشكلاتهم للشركه‏,‏ والخلاصه لم تحصل الشركه علي حقها الكامل في تقديم خدمات الانترنت والاتصالات الجديده‏.‏

وفي بدايه التحرير ايضا كان لدي الشركه شبكه ورخصه للمحمول‏,‏ ثم فقدتهما كرها بثمن لا يوازي ما كانت ستحصل عليه فيما لو حصلت علي حقها الطبيعي والمشروع في انشاء وتشغيل شبكه محمول تراعي فيها القواعد الاحترافيه‏,‏ وحينما افاق مسئولو الشركه ومعهم من اقدموا علي سلبها هذا الحق وراوا الامور تتداعي مع الوقت لم يجدوا امامهم سوي شراء حصه من اسهم احدي الشبكات القائمه كنوع من التعويض النسبي وتبرير عدم امتلاك الشركه لحضور قوي وفاعل ومباشر في ساحه المحمول‏,‏ وبالطبع حقق هذا التصرف بعض النتائج الحسنه‏,‏ لكنه لم يعوض الشركه عن النتائج المترتبه علي اخراجها او حرمانها من ان تكون لاعبا موثرا في ساحه المحمول وتمتلك شبكتها الخاصه‏,‏ والنتيجه ان مسئوليها يشكون الان من ان الناس ذهبت للمحمول وتركت الارضي وانه لابد من البحث عن موارد جديده لتعويض خسائر هروب الجمهور للمحمول‏.‏

والان حينما ياتي مسئولو الشركه ووزاره الاتصالات ليتحدثوا عن‏'‏ المرحله الثانيه لاعاده هيكله تعريفه الاتصالات‏'‏ فنحن امام مشهد جديد مما تلاقيه الشركه ليس ببعيد عما تحدثت عنه القصيده‏,‏ فحسب تصريحات مسئولي الشركه والوزاره الاسبوع الماضي فان اعاده الهيكله شملت تخفيضات في رسوم التركيب‏250‏ جنيها تعادل‏50%‏ وفي تعريفه النداء الالي‏4‏ قروش وقرشين بنسبه‏20%,‏ وتعريفه الاتصال بين الثابت والمحمول‏15‏ قرشا بنسبه‏33%,‏ لكن في المقابل ارتفعت قيمه المكالمه المحليه بنسبه قرش صاغ يعادل‏50%,‏ والاشتراك الشهري جنيهان بنسبه‏20%,‏ واجهد المسئولون انفسهم في شرح مبررات هذه التعديلات وفي تصويرها للناس خطا علي انها تخفيضات‏,‏ واتبعوا في ذلك اساليب عجيبه للحساب‏,‏ حتي ان رئيس الشركه جمع نسب التخفيض وجمع نسب الزياده وانتهي الي ان كفه التخفيضات هي الارجح‏,‏ ولا اعرف كيف يستقيم حساب الامور علي هذا النحو؟

ان مصروفات التركيب تدفع مره واحده‏,‏ وعدد مكالمات النداء الالي لاي مشترك يقل كثيرا عن المكالمات المحليه‏,‏ والاتصال من الثابت للمحمول قيمه مضافه علي الخط لا يصح ربطها ربطا تعسفيا بالمكالمه المحليه‏,‏ علاوه علي ان الاتصال بالمحمول والنداء الالي تسبقه مكالمه محليه يدفعها المواطن في كل الاحوال‏,‏ اي ان المشترك قبل ان يتمتع بتخفيض تعريفتي النداء الالي والمحمول يكون قد دفع مسبقا قيمه الزياده في المكالمه المحليه‏,‏ ودون الخوض في الارقام التي ساقها مسئولو الوزاره والشركه والتي يسهل الرد عليها‏,‏ فنحن من الناحيه العمليه امام تخفيضات‏'‏ تجميليه هامشيه‏'‏ هدفها تمرير وتخفيف صدمه رفع سعر المكالمه المحليه بنسبه‏50%‏ والاشتراك الشهري‏20%‏ دفعه واحده‏

واقول صدمه لان سعر المكالمه والاشتراك الشهري هما‏'‏ قلب ومحور‏'‏ الفاتوره وقلب ومحور دخل الشركه من هذه الخدمه وفيما عدا ذلك امور غير موثره‏,‏ والتخابث في عرض الامر علي الناس بان الزياده‏'‏ قرش صاغ واحد في الدقيقه‏'‏ لعب بالالفاظ يفترض في الناس الغباء وعدم الفهم‏,‏ وهو امر لا يليق عند مخاطبه الراي العام‏,‏ فالناس لا تذهب في نهايه كل ثلاثه اشهر لتدفع بالقرش والدقيقه‏,‏ بل تدفع فواتير بمئات الجنيهات سوف تزيد بمقدار النصف علي الاقل‏,‏ وهذه هي النتيجه النهائيه بالنسبه للقطاع الاوسع من المشتركين‏.‏

اننا يجب الا ان ننسي ان الشركه طبقا لجداول ميزانياتها الاخيره حققت ارباحا تجاوزت المليار جنيه‏,‏ وبالتالي فالتحجج بالبحث عن موارد اضافيه يبدو امرا غير منطقي‏,‏ خاصه اذا اعتبرنا الشركه كيانا تسيطر عليه الدوله ومملوكا بصوره او باخري للشعب‏,‏ ويتعين ان يكون لمسئولياته الاجتماعيه يد طولي في سياسات التسعير خاصه اذا كان كيانا رابحا‏.‏

وتقديري ان الوجه الحقيقي لهذه التعديلات هو انها جزء من عمليه التهيئه الدءوبه طويله النفس الجاريه منذ سنوات من اجل فتح المجال امام ادخال شركه ثانيه في مجال التليفون الثابت‏,‏ وهذه التهيئه تحدث بها البعض همسا والبعض علانيه حتي من مسئولي وزاره الاتصالات انفسهم‏,‏ ومن يعود الي تصريحاتهم السابقه سيري بين ثناياها ما يفيد بان التعديلات المتتاليه في تعريفه الاتصالات وما يصاحبها من ارتفاعات هو جزء من‏'‏ سياسه تحرير القطاع وفتحه امام الاستثمار الخاص في الثابت والمحمول‏',‏ وتقديري ان التعريفه الجديده جزء من‏'‏ التهيئه‏'‏ التي تعرض الشركه لدوره‏'‏ حلب جديده‏',‏ فرفع الاسعار علي هذا النحو له احد احتمالين‏:‏ الاول ان يكون استعدادا مبكرا من الشركه لتامين عوائد باسرع ما تستطيع قبل دخول المشغل الثاني تحسبا لقيام الشركه الثانيه بخفض الاسعار وساعتها ستقوم المصريه للاتصالات بالتخفيض

والثاني ان المستثمرين الراغبين في دخول الشركه الثانيه طلبوا رفع اسعار الاتصالات المحليه والاشتراكات الشهريه الي المستويات التي تسمح لهم بتحقيق العوائد التي يرونها مناسبه ويستطيعون بها التنافس مع المصريه للاتصالات‏

وهذا المنطق يتماشي مع ما قاله البعض همسا وعرضا عن‏'‏ استراتيجيه تحرير الاتصالات‏'‏ اكثر من مره‏,‏ وبالطبع نحن نرفض ما يردده البعض من ان رفع السعر خطه مبيته لضرب‏'‏ البقره‏',‏ تقضي بان يبدا المشغل الثاني في العمل ثم يفاجيء الناس باسعار مخفضه تجعلهم يهرولون اليه تاركين المصريه للاتصالات تلعق جراحها فتقع‏,‏ وتقديري ان القائمين علي امر الوزاره والشركه ليسوا من النوعيه التي تهزم نفسها وموسساتها علي هذا النحو‏,‏ وان كان قد لفت نظري ان هولاء المسئولين تعاملوا مع العلاقه بالمشغل الثاني في تصريحاتهم الاخيره علي طريقه‏'‏ يكاد المريب يقول خذوني‏',‏ فقبل ان يوجه لهم احد نقدا او تساولا سارعوا الي نفي ايه علاقه بين رفع السعر والمشغل الثاني‏.‏خلاصه القول ان المصريه للاتصالات تكاد تصبح‏'‏ بقره حاحا القرن‏21'

والموشرات الحاليه تجعلنا نخشي من ان تتطور الامور الي الحد الذي يجعل النصف الثاني من القصيده ينطبق عليها خلال السنوات المقبله‏,‏ ولمن لا يعرف فان كلمات النصف الثاني من قصيده نجم تقول‏:'‏ البقره انقهرت‏,‏ ف القهر انصهرت‏,‏ وقعت ف البير‏,‏ سالوا النواطير‏,‏ طب وقعت ليه‏,‏ وقعت م الخوف‏,‏ والخوف ييجي ليه‏,‏ من عدم الشوف‏,‏ وقعت م الجوع‏,‏ ومن الراحه‏,‏ البقره السمره النطاحه‏'.

No comments: